من يقف وقفة جادة مع نفسه ويتأمل الحياة الدنيا يدرك أن وجوده في هذه الحياة لا يساوي شيئاً في عمر الزمن، بل هي لحظات يقضيها يعبر منها إلى الحياة الأبدية مروراً بحياة البرزخ جعلنا الله من الآمنين السعداء الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن يجعلنا ممن يسعد بلقاء أحبته في الدار الآخرة وقد غُفر لهم ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر.
لقد عشتُ أياماً بل شهوراً في تردد بين الخيال والحقيقة، فالخيال يُصوّر من فقدتُ ماثلاً أمام السمع والبصر والحقيقة تتردد في قوله تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}.
وفي قول كعب بن زهير:
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته
يوماً على آلة حدباء محمول
نعم لقد كان المحمول فوق الأعناق أخاً عزيزاً وصديقاً وفياً تربطنا معاً علاقة وطيدة امتدت من عهد الطفولة إلى أن ذهبت روحه إلى بارئها وحتى بعد مغادرته الدنيا بقيت ذكراهُ العطرة لم تفارقني فصورته تتراى أمامي تغيب برهة وتستفيق أطول ولا اعتراض على القضاء والقدر إلا أنه من الصعب مقاومة لحظات الفراق، فالدموع تفضح العواطف، كلما خطرت بالبال الذكريات والأحداث التي عشناها معاً في كل المواطن وعبر اللقاءات.. (عثمان بن محمد آل عبدالوهاب) إنسان لا يمل مجلسه ولا تتضايق من أحاديثه ومداخلاته فنعم الجليس متحدثاً ومستمعاً، مجلسه عامر بالزملاء والأصدقاء، فهو موسوعة ينهل منها الجميع، إن أردت المشورة فهو أهلٌ لها، وإن أردت المعلومة الصادقة فهي جاهزة.
أحاديثه شيقة وحواراته مفيدة، الطرائف والنكت بلا تكلف تزيل الهم وتشرح الصدر. ملأ حياة والديه وفاء وطمأنينة باراً بهم أحياء وأمواتاً، فهو نعم الابن لوالديه ونعم الراعي لأهله وأبنائه وبناته ونعم الصاحب والصديق، يبذل كل ما يستطيع لإسعادهم مهما كلفه ذلك من مشقة صحية ومالية، لا يبخل بماله وجهده لمن يعرف ومن لا يعرف.
رحمك الله يا أبا محمد ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.