تُعد الصداقة ذات أهمية كبرى في حياتنا، فالإنسان بطبعه يحتاج إلى صديق يكون معه في سرائه وضرائه، وأفراحه وأحزانه، وسعته وضيقه، وفي غناه وفقره، يبادله المشاعر والأحاسيس الصادقة، ينصحه ويرشده إلى الصواب، والضابط في ذلك كله هو الصدق.. نعم الصدق، فمتى ما تجردت الصداقة عن الصدق فإنها حينئذ لا قيمة لها ولا معنى لأنها تتحول إلى صداقة مصلحة متى ما انقضت وتلاشت وما أجمل قول الشافعي حينما صور ذلك بقوله:
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها
صديق صدوق صادق الوعد منصفا
الصداقة ليست تعارفاً بين شخصين فحسب، وليست حفظ أسماء فحسب، أو توزيع ابتسامات فحسب، بل هي تلاحم شخصين في شخصية واحدة، بعيدة كل البعد عن المجاملات والتهميش والتطنيش. إن الإنسان عندما يُصاحب ذلك الصديق المُطنش أو المُهمش فإنه يتأوه بآهات وزفرات.. كيف لا يتأوه ؟ وهذه آفة من آفات عصرنا المنتشرة، ناهيك عن كونهما صفتان مذمومتان ممقوتتان.
إن التأوه الذي ينتابني وينتباك أخي القارئ/ أختي القارئة إنما يتأتى من سببين لا ثالث لهما: تأوه تأمُل وتألُم على أصدقاء صحبتهم لفترة وجيزة في مدينة معينة أو دورة عمل علمية أو نزهة بريئة... نعم إنها تأوه تأمُل وتألُم! تأمُل في مواقف استفدتها، أو خبرات اكتسبتها، أو فوائد عظيمة جنيتها، أو علوم كثيرة تعلّمتها من صادق وفي، وكريم شهم، وناصح مشفق، ومن حليم متأن... وغيرها الكثير والكثير من صفات وسمات تجعلك بحق تتأوه تأوه تألُم على فراقهم وتتمنى لقائهم بين الفينة والأخرى، ومثل أولئك علينا تسطير صحبتهم بدفتر الذكريات لتكون ناقوساً يدمر في عالم النسيان. السبب الثاني للتأوه: تأوه حسرة وندامة على صحبة صديق كنت تؤمل نفعه وترجي خيره، ثم يكون ديدنه وشعاره «طنش تعش تنتعش».
وأنا إذ أكتب هذا المقال فإني لا أدعو ولا أشجع هذه الصفة المذمومة (الطتنيش) لأن تحول الصداقة إلى عداوة، والحب إلى بغضاء والعياذ بالله، وخصوصا إذا تجردت من الأعذار والاعتذار، الأمر الذي يجعلنا جميعاً نردد بلسان واحد «نحن لا نحتاج من يتعامل معنا بذكاء العقول ولكننا نحتاج من يتعامل معنا بصفاء القلوب».
الصداقة باختصار ما هي إلا قنبلة موقوتة إما أن تفجرها مسكاً بين أصحابك ليحذو بحذوك ويجدوا منك رائحة طيبةً مباركة أو تنفخها بآفة التهميشة أو التطنيشة لتحرقهم بحريق الآهات المؤلمة... ومن وجهة نظري فإن من يجعل صاحبه يتأوه بآهات يرددها ليلا ونهاراً، سرا وجهاراً، جراء تهميشة أو تطنيشة. يجب أن يطلق عليه بحق أنه آفة من الآفات المهلكة. هذا ما أحببت طرحه في هذه الصحيفة المتميزة لأضعهُ بين أيديكم الكريمة، ولكم موافقتي أو معارضتي بمشاركاتكم وتعليقاتكم التي أحسبُ أنها سيُذكّر بها الغافل ويُنّور بها الطريق لمن يبحث بصدق عن الصديق الحقيقي.