لأول مرة أعطي كافة حواسي لمتابعة وسماع محاضرة مدتها ساعة ونصف الساعة. المحاضرة كانت للأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، ألقاها في قاعة فندق المريديان بالمدينة المنورة مساء يوم الأربعاء 20 نوفمبر الجاري؛ في حشد كبير من أعضاء
جمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون الخليجي، الذين كانت لهم جلسات بحوث مكثّفة حول تاريخ المدينة المنورة، على هامش مهرجانها بمناسبة رئاستها كعاصمة للثقافة الإسلامية عام 2013م.
- بعد المحاضرة التي تناولت جملة من الرؤى والخطط حول المعالم التاريخية والأثرية في عموم المملكة، وجدت نفسي أول المعلِّقين على المحاضرة التي أتمنى أن يسمعها ويطلع عليها كل مهتم؛ ليس بالتاريخ والآثار فقط، ولكن بالسياحة والاقتصاد والاستثمار، وما هو قادم في هذا الاتجاه.
- تذكّرت وقتها فجأة ما أسمّيه عادة (الذهب الأبيض)، في مقابلة الذهب الأسود؛ تلك التسمية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - على النفط يوم قال: (طويل العمر)..! وطلب أن ندعو للنفط بطول العمر، فجعلت من هذا منطلقاً لتعليقي على محاضرة الأمير سلطان، ثم أتبعت بسؤال في التنمية، ذلك أنّ (طويل العمر)، لن يدوم ولن يعيش إلى ما نهاية، ونحن نملك في بلادنا ما هو أطول عمراً منه وهو (الكنز التاريخي والأثري)، الذي ينتظم التراب الوطني منذ آلاف السنين من الماء إلى الماء، ومن سهوب الشمال إلى شماريخ الجنوب.
) إذا كان لدينا مئات من آبار النفط قابلة للنضوب، فنحن نملك عشرات آلاف المواقع التاريخية والأثرية، حيث كل موقع منها هو بئر نفط غير قابلة للنضوب، وهذا هو (الذهب الأبيض)، أو (مديد العمر)، الذي ينبغي أن نعوّل عليه بعد الله، وأن نضعه على خط التنمية والاستثمار عاجلاً لا آجلاً، حتى يحل محل (الذهب الأسود)، الذي هو ثروة إما أنها ناضبة كما تذكر تقارير علمية معروفة، أو أنها مهدّدة ببدائل مثل الطاقة البديلة، أو بالنفط الصخري المكتشف حديثاً.
- الذي عرفته من تعليق الأمير سلطان على التعليق، أنّ آثار المملكة ومعالمها التاريخية كافة، محط عناية واهتمام القيادة العليا في البلاد، وأنّ هناك برامج وضعت لحصرها وصيانتها وتأهيلها، بعد الاستعانة بخبراء مختصين من دول لها خبرتها في هذا الشأن.
- الأهم من هذا كله: متى تصبح هذه الثروة العظيمة، وهذا المكنز الثمين، مصدر ثراء اقتصادي وعملي، بحيث تنشط السياحة المحلية والدولية، وتتحوّل إلى بديل مضمون عن (طويل العمر) إذا قضى الله أمراً، فتوقّف نبضه، ونضب نبعه، أو زحزحته البدائل النظيفة.
- خرجت من هذه المحاضرة المهمة حقيقة، محاطاً بالمزيد من الأسئلة: هل حقيقة نحن نفكر بشكل جدِّي؛ في مرحلة ما بعد النفط..؟
- إذا كنا نفكر في هذا الأمر، ونوليه ما يستحقه من عناية واهتمام، فماذا أعددنا لهذه المرحلة العصيبة دون أدنى شك. وهي المرحلة الثالثة في تاريخ هذه البلاد، فقد عرفت بلادنا مرحلة ما قبل النفط، وعاشت وما زالت تعيش مرحلة النفط، ولكن النفط لن يعيش أبداً، وسيأتي يوم بدون نفط ولا ما ينفطون، فماذا هم فاعلون أبناؤنا وأبناؤهم من بعدهم..؟
- تتحدث تقارير علمية يابانية وأوروبية، عن أنّ نفط العالم لن يدوم أكثر من 47 عاماً، بينما نفط منطقة الشرق الأوسط والخليج تحديداً؛ ناضب في حدود العام 2030م، أي بعد أقل من عقدين باقية في حياته.
- يتجه العالم كله اليوم وخاصة النفطي منه؛ إلى إيجاد بدائل للنفط من الطاقة النظيفة، مثل الغاز والطاقة النووية والشمسية، فالبحث عن موارد اقتصادية بديلة في الدول النفطية، هو الهاجس الذي تعيشه هذه الدول اليوم، ومن أهم البدائل الاقتصادية التي يمكن أن تحل محل النفط؛ هي صناعة السياحة، خاصة في الدول التي تملك مقومات تاريخية وجمالية وغيرها، ونحن من البلدان التي تملك ثروة تاريخية وآثارية غاية في الجمال والأهمية، والعمل من اليوم على طرحها كمورد اقتصادي بديل لموارد النفط، يحتاج إلى جهود جبارة، لا تقل عن تلك الجهود التي سبقت اكتشاف النفط واستغلاله قبل سبعين عاماً فارطة.
- هناك دول كثيرة في هذا العالم، تعيش على السياحة، حيث تستقبل سنوياً عشرات الملايين من السياح، وباستطاعتنا نحن، أن نستقبل ستين إلى سبعين مليون سائح سنوياً، خلاف العشرة ملايين حاج ومعتمر، فنوفر لأبنائنا ملايين الفرص الوظيفية، ونحقق مصادر دخل مهمة وكبيرة بديلة عن (طويل العمر)، بعد نضوبه طبعاً.