الجدل الدائر هذه الأيام حول التداوي بالحجامة، وسبل تنظيمه وتقنينه، وضوابط الترخيص له، وتأهيل البيئة المناسبة لممارسي هذا العلاج التقليدي، وآثاره المحتملة على الصحة، والتخفيف من مخاطر الاستطباب فيه، والاستفادة منه كطب بديل أو تكميلي مفيد.
فلا جدل يطول حول حقيقة أن هذا الاستطباب أو التداوي به كان رائجاً في زمن ندرة الطب الحديث، وقلة الإمكانات الطبية، وضعف التشخيص السريري للكثير من الأمراض، أما وإن ازدهرت المعارف والعلوم الطبية، وتطورت الفحوصات والتحاليل، فمن الضروري أن يتم التعامل معه بدراية واضحة، تكفل له النجاح، وتبعد عنه فكرة التخرُّص أو التخمين في التشخيص.
فمنع أو إقفال الأماكن الحالية للاستطباب بالحجامة هذه الأيام من قبل الجهات الطبية المعنية يعد من وجهة نظر الكثيرين خطوة مهمة نحو بناء ثقافة طبية متمكنة، تؤهل ما هو قائم، وتجعله يساير حالة الطب التكميلي المنظم والمعترف به في بلاد كثيرة.
فمن الأجدى، ولكي يكون الأمر علمياً، وشعاراً واقعياً أن يكون العلاج بالحجامة محققا لشرطية هذا التوجه، وأن يدخل بعد تأهيله بمرجعية علمية كعلاج بديل في مهام بعض المراكز الطبية -إن كان تصنيفه ممكنا- وإن كنا نستبعد وجود شيء من هذا التعايش بين هذه النوع من وسائل العلاج التقليدي مع هذا التحول النوعي المتسارع للطب الحديث الذي يجب أن نحتكم إليه.
كما أن هناك حالة قريبة منه، وهي سبل أو مغامرات العلاج بالكي، فقد تحتاج أيضاً إلى رؤية علمية فاحصة، وقرارات فنية محددة تؤكد جدواه، ودوره الاستطبابي .. فالسؤال البسيط الذي يطرح دائماً:ـ لماذا لا نجد عيادات متخصصة للكي أو الحجامة في المراكز الطبية؟ ولاسيما وأن بعضهم لا يزال يؤمن بدوره وأهميته، إلا أننا حينما نتأمل الإجابات الممكنة نجد أن هناك تباينا واضحا في مستوى المقارنة بين جهد عفوي بسيط يقوم به عدد محدود من الناس يدعون معرفتهم بطرق ووسائل الكي، أو الحجامة وبين علم طبي متناهي التطور والإتقان يتمثل في الطب الحديث أو التكميلي.
أضف إلى ذلك فإن علاجات “الكي” قد تكون أكثر خطورة من الحجامة حينما يكون الأمر متعلقا بمرضى السكري، حيث يصعب علاج الآثار المترتبة على الكي، وما قد يتسبب من استفحال أو مضاعفات للكثير من الحالات سلباً، تكون في الغالب خطيرة على الحياة.
فهناك قصة أليمة لرجل خمسيني يعاني من السكر وضغط الدم نقل من أحد مناطق الشمال إلى أحد مستشفيات العاصمة الرياض الكبيرة وهو مستشفى مميز في خدماته الطبية وتشخيصه ووصفاته العلاجية ..
كانت المفاجأة للاستشاري “الغربي” الذي يتابع حالته، أنه وجده بحالة عجيبة وأليمة .. فقد تعرض المريض للكي في الكثير من أنحاء جسده ورأسه، وقد ظن الطبيب أن هناك من عذبه، فيما المريض ظل منشرح الصدر، ويصور للطبيب أنه بدا يشفى بعد ساعتين من عملية كيه!! إذ تسلل مع وفود الزيارة للمستشفى رجل “يعز عليه كثيراً” ويدعي معرفته العلاج بالكي دون علم من أحد، ودون أن يعرف أن المريض مصاب بداء السكري الذي سيواجه احتمالات مضاعفات كبيرة قد تودي بالحياة، وهذا مثال على أن هناك صراعا ما لا يزال المجتمع يعيشه في أمر الطب والعلاج، إذ يبحث الجميع عن أي خيط أمل علاجي يقربهم من الشفاء.. شفاهم الله.