السلوك الإنساني أياً كان نوعه فهو “مسبب”، صغر ذلك السلوك أو كبر، كان جماعياً أو فردياً، رجالياً أو نسائي، وهذه سنة من سنن الله عز وجل في بني الإنسان، ولكن هذا السبب قد يتولد في اللاشعور، من خلال العقل الباطن الذي يختزل ويختزن المواقف ويولد ردود الأفعال جراء ما يحتفظ به من مشاهد مؤذية أو أنها سعدية، وربما انفجر الإنسان لسبب بسيط وصار من يراه ويقرأ الحدث ببساطته يظن أن هذه القشة هي من ولد ردة الفعل العنيفة فيتعجب من كون القانون الفيزيائي الذي يقرر بأن الفعل يولد ردة فعل مساوية له في القوة مضادة في الاتجاه لم ينطبق على السلوك الإنساني الذي حدث أمامه أو سمع عنه .
إن هناك نوعا من البشر درب نفسه على سلامة الصدر من الضغائن والأحقاد ولذلك يحرص على ألا يبقى في قلبه من سجل الأيام إلا ما هو إيجابي وجيد فيعيش مطمئن النفس هادئ البال سليم المضغة عفيف اللسان، وهناك في المقابل من يجمع ويراكم في ذهنية المواقف ويحلل ويضخم والأساس عنده سوء النية وفساد القصد، ولذلك حين ينفجر تفاجأ به كالبركان الذي يثور في وجه بني آدم بلا هوادة ولا رحمة ولا حسبان، وحين يهدأ ويٌعرفٌ بالحقيقة في جميع ما مر به من مواقف وكانت الوقود الذي أضرم النار في صدر يعتذر عمّا صار ولكن بعد فوات الآوان .
هذا على المستوى الشخصي والحال كذلك حين النظر في حال الجماعات الفكرية والتنظيمات السرية التي تخطط لتوظيف الفئات المجتمعية بسيطة التفكير، محدودة الإدراك، ذات الاحتياجات اليومية الملحة.. إذ تضخم في عقليتها الأخطاء، ويعزز الشعور بالاغتراب، وتوظف الطاقات التي صارت في خانة السلبية الوطنية لضرب الوطن من داخله، وممارسة النقد الهدام بكل صوره وبجميع ألوانه وعلى الكل بلا استثناء،والنهاية المتوقعة والتي تبرهن عليها شواهد الواقع العربي الحي “ثورة بركان لا يهدأ” دون أن يكون له مبرره المنطقي وسببه الحقيقي.
نعم نحن في مجتمع بشري له أخطاءه وفيه عيوب، وقد يؤذيك ما تراه من فساد وتجاوزات، وتنافس ومجاملات و... ولكن لا بد أن تستحضر قبل أن تفتح خزينة أفكارك لتملأها بما هب ودب هذه القواعد الذهنية الخمس :
* إنك تترفل وتتقلب في هذه البلاد بنعم أثمن وأغلى بكثير مّما فقدت .
* إنك قد تلقي التبعة على ما أنت فيه من حال، وما فقدت - في ظنك - من مال أو جاه أو وظيفة أو سكن على غيرك ابتداء- من المسئول الصغير وصولاً للقمة- وقد تكون أنت أول المتهمين بالتخاذل والتقصير، فالفرص الوظيفية أمامك سواء في القطاع الحكومي أو الخاص أو الأهلي، والحصول على لقمة العيش بين يديك، والمال قريباً من ناظريك ولكنك تعودت سلوك السهل من الطرقات، فاركب الصعب وابذل الأسباب وسيكون الفرج لك من عند الله.
* إنك تجهل، وربما أنك تعلم ولكنك تتجاهل وتحاول ألا تفكر بما يحدث من عواقب وخيمة إن أنت جعلت من الحالات الفردية ذات السياق الشخصي قضية مجتمعية تولد الثورة وتسعى إلى توظيف الطاقات لتجيش الناس وإغار صدورهم ونفث الضغينة في قلوبهم لا سمح الله.
* إنك قد تكون اعتمدت فيما قلت أو كتبت وربما فكرت وهممت أن تفعل، على ما سمعت أو قيل لك أو أنك قراءات دون أن تٌعمل العقل فيه وتسبره جيداً وتقلب في وجهه المختلفة، فتعرف الحق من الباطل والقوي من الضعيف والصحيح من السقيم.
* إنك تنظر دوماً إلى من هو فوقك، فتستقل ما في يدك، وتستصغر ما أنت فيه من حال وغاب عن بالك ما أرشدك إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين السبب فيما أرشد إليه بقوله “ فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله “ .
إنني هنا لست في مقام الدفاع عن الأخطاء إن وجدت، كما أنني لست في موقف الرافض لمنهج النصح “فالدين النصيحة” كما في الحديث، ولكن في ضوء ضوابطه الشرعية وأعرافه المجتمعية ودوائره وأخلاقياته المألوفة وإلا صار سبب بلاء، وباب فتنة، وعنوان فساد، ورمز تمرد وعصيان، حينها يعلو صوت الرويبضة، ويصير الناس على موعد جديد من فصول القضية التي جزماً ستنتهي بنا إلى ثورة بلا ضابط ودون رادع أو رقيب، وعندما يقع الفأس بالرأس لا ينفع الندم ولا يمكن التراجع والنكوص، حفظ الله بلادنا، وحرس أرضنا، وحمى شعبنا، وأدام عز قادتنا، ونور بصيرتنا،وهدى ضالنا، وجعلنا جميعاً جنود حق، وحراس عقيدة،وحماة وطن، وإلى لقاء والسلام.