لقد بات مستقراً في ذهن الكثير من الناس أنه عندما يفكر إنسان ما في إجراء عملية جراحية فإنه لا يحمل هم ألم الجرح وملازمة السرير والوحدة الطويلة في غرفته سواء في المستشفى أو منزله بقدر ما ينشغل بحدوث خطأ طبي لا قدر الله،
.. قد يُبرر من قبل الجهات المختصة بأعذار لا يقبلها فكر الإنسان البسيط. وعندما يحدث له نقص في الدم ويحتاج إلى التبرع فإنه لا ينشغل باله في وجود الفصيلة المناسبة لدمه بقدر ما ينشغل في نقاء وصفاء الدم الذي يحتاجه جسمه وخلوه من الفيروسات المميتة. وعندما يتجاوز عليه أحد في الطريق أو على سيارته أو ممتلكاته الشخصية الأخرى أو أحد جيرانه فإنه لا يحمل مرارة الخطأ عليه بقدر ما يحمل تهاون بعض الناس من رغبته في تقديم شكوى على أجهزة الأمن في بلاده.
وعندما يخطئ معلم في توجيه طالب ويستخدم طريقته؛ لأجل معاقبته ويجعل الناس تتندر عليه فإنك لا تتألم على حال الطالب وحده، بقدر ما تتألم على حال هذا المعلم الذي تهاون في أداء أخلاقيات المعلم الكفء وأضحى صورة غير سارة للمعلم الأمثل؛ بسبب تقصيره في تفعيل رسالته. وعندما يخطئ طالب على المعلم ويستخدم أسلحة في الفصل أو يحضر أمتعة منزلية للفصل فإنك لا تتألم على حال المعلم وحده بقدر ما تتألم على تهاون الطالب في تفعيل أخلاقيات طالب العلم الأمثل في فصله ومدرسته والمستوى الذي وصل إليه خلق هذا الطالب.
وعندما يتحرش شباب بفتيات وفي وضح النهار وأمام العوام فإنك لا تتحسر على حال الشباب وحدهم بقدر ما تتحسر على شعور أولياء أمورهم وبقية أفراد أسرهم على تصرفات أبنائهم، وتهاون هؤلاء بضوابط بلادهم الشرعية والأمنية والاجتماعية.
لقد أثلج الحكم الذي صدر بحق الشباب الذين تحرشوا بالفتيات في مول الظهران صدور كل المتابعين وهو الحكم بسجنهم (15) شهراً مع الجلد (60) جلدة دون التفكير في وضعهم الدراسي والاجتماعي، وسرنا الحكم الذي صدر بحق المعلم مع الطفل الباكي في جازان، ففي معاقبتهما رد اعتبار لكرامة الإنسان، وهما بدايات لمعاقبة كل مقصر في أداء واجباته على نحو مثالي.
يحتاج المجال التربوي لتعميم مثل هاتين التجربتين مع مختلف المشكلات السلوكية التي تصدر من المعلم والطالب على حد سواء، فديننا الحنيف يزخر بعقوبات متعددة لكل معتدٍ على حرمات الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وستجد لجان التأديب في كل مؤسسة تربوية في المجتمع ما يناسبها من هذه العقوبات؛ لمحاسبته ٍنظير تجاوزه على الآخرين سواء بحق أو بدون حق.
والمتابع للميدان التربوي يلحظ ظهور أخطاء سلوكية لم نسمعها من آبائنا ولم نشاهدها عن قرب تستحق أن توصف بالجرائم السلوكية، وهي مؤشر أولي ومؤشر ظاهري على خلل في التربية المنزلية. وهي كثيرة وتتوزع إلى أخطاء تصدر من الطلاب مع معلميهم وأخطاء تصدر من المعلمين نحو طلابهم، وتتفاوت في حدتها وخطورتها، والطلاب الذين يرتكبون هذه الأخطاء ليسوا صغاراً فيوجد المحللون الدعوي والنفسي والتربوي والأمني والإعلامي وغيرهم لهم أعذاراً تعزى إلى صغر أعمارهم الزمنية، بل هم كبار إذ ينتمون إلى المرحلة الثانوية.
وهي أخطاء تحتاج إلى تعامل مناسب؛ لتطويقها والقضاء عليها، وبرزت أخطاء ليست مرفوضة في المدرسة فحسب بل من قبل أجهزة الأمن في البلاد كإحضار أسلحة نارية للمدرسة أو رصاص ووضعهما على الطاولة أمام المعلم أو تصويبها إليه وهو يشرح درسه، وإحضار مستلزمات شخصية كالبطانيات من البيت وافتراش أرض الفصل، والمؤلم في هذا هو تصويرها ونشرها على بعض مواقع التواصل الاجتماعي؛ للسخرية من المعلم، ويتبادلها الناس من باب التندر والطرف.
هذه النوعية من الطلاب لم تتلق التربية الوالدية الكافية؛ نظراً لعدة أسباب منها ما يتعلق بالأب ومنها ما يتعلق بالأم ومنها ما يتعلق بالابن نفسه، واعتمد البيت على المدرسة في تربيتها، بل قد يتطاول البيت على المدرسة في كثير من الأحيان إلى إيعاز الخلل في سلوك أبنائه إلى تقصير من المدرسة.
والحقيقة التي لا مفر منها هي أن دور المدرسة وبقية مؤسسات التربية الرسمية في المجتمع هو دور تكميلي للبيت إذ تبدأ من حيث ما توقف عنده البيت أو تصوب ما قصر فيه، وهذا مؤكد في كتابات تربوية قديمة وحديثة وعربية وأجنبية.
ولا يبرئ التربويون المعلم من ارتكاب أخطاء سلوكية تستحق العقاب المناسب، ومن هذه الأخطاء تجاوزات لفظية وحركية حيال طلابه، ويتزايد اللوم على المعلم؛ لأنه في عمر زمني متقدم وعمر فكري ناضج ويحمل مؤهلاً تربوياً عالياً وعاطفة أبوية متأججة وحس إسلامي راسخ وحس وطني ظاهر، إذ يمارس هذه الأخطاء التي تعد كبيرة من كبائر أهل الاختصاص وأهل المهنة، وهو في الوقت نفسه لا يرضى كائن من كان أن يتجاوز أحد على أبنائه في مدارسهم. وتزداد حدة هذه الأخطاء عندما يعمد إلى نشرها في بعض مواقع التواصل الاجتماعي.
إن فطرة الإنسان السوي على اختلاف انتمائه العلمي والوظيفي والاجتماعي والاقتصادي ترفض صدور الأخطاء السلوكية؛ لأنها مؤشر صارخ على تدني الضمير الأخلاقي لديه وغياب عقوبات (صارمة) للمخطئين كل في مجاله تجعله يفكر مرات قبل أن يقدم على ممارسة سلوك سلبي مع طلابه.
بصدق المجتمع بحاجة إلى قيام مقام وزارة التربية والتعليم مشكورة إلى عمل قائمة بالمشكلات التي تحصل من المعلمين والطلاب والتي تستحق أن توصف بالجرائم السلوكية، وتحديد عقوبات رادعة علاجية ووقائية لها.
وفي هذا الحيز لابد من عرض بعض آداب المعلم نحو الطالب، علًها من باب التذكير لمن جهل وأنا أشك أن المعلمين ولاسيما التربويين منهم يجهلونها؛ لأنهم يدرسونها في كليات التربية والمعلمين، فمن هذه الآداب: أن يكون قدوة صالحة لطلابه في فكره ومنطقه وسلوكه وطريقة تعامله مع الآخرين، ويتواضع لهم ويجانب العجب، ويحترمهم ولا يقلل من شأنهم، ويحفزهم على التعلم وعدم يأسهم منه، ويرفق بهم ويساعدهم في مواجهة مشكلاتهم، ويراعي حالهم ومشاعرهم، ويهتم بالفروق بينهم، ويحذرهم من الانقياد الأعمى للآخرين فيما يخالف تعاليم الدين.
ولا يُعفى الطالب من آداب يفعلها نحو معلمه ومنها: أن يتواضع لمعلمه، وينظر له بعين الإجلال ويعتقد أنه في درجة الكمال، ويعرف له حقه ولا ينسى له فضله، ويصبر على سوء خلقه وجفوته، ويجلس جلسة الأدب في حضرته، ولا يدخل عليه في فصله إلا باستئذان، ويصغي إليه.
هذه بعض آداب رسالة المعلم والطالب في التعليم العام وتنسحب هذه الآداب على التعليم العالي والجامعي؛ لأن الغاية هي أن يتوافر معلمون يحملون هم نشر العلم الصحيح لأجيال البراعم والشباب والناضجين، ويتوافر طلاب لديهم الأدب الرفيع والعلم النافع.