صحابية جليلة لها مكانتها، في الجاهلية والإسلام، وردت سيرتها في أكثر من 18 مصدراً، وهي أم معاوية بن أبي سفيان أحد كتّاب الوحي، ومؤسس الدولة الأموية التي كان لها دور كبير في انتشار الإسلام غرباً وشرقاً.
ولدت بمكة المكرمة في الجاهلية، وذكر الزركلي أنها ماتت سنة 14هـ.
فهي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، بن عبد مناف قرشية، عالية النسب والشهرة، تزوجت أبا سفيان بعد مفارقتها زوجها الأول: الفاكه بن المغيرة المخزومي، كما قال الزركلي في خبر طريف الذي جاء بعده روايات تعتبر من طرائف العرب في الجاهلية، كما أنها فصيحة جريئة صاحبة رأي وحزم، مع نفسٍ وأنفةٍ وقد أعطاها الله فصاحة وجرأة مع مسحة جمال.
جاءت حكايتها مع زوجها الأول الفاكه عند ابن سعد وفي أعلام النساء وعند عمر كما له: بأنها من ربّات الحسن والجمال، والرأي والعقل والفصاحة والبلاغة، والأدب والشعر والفروسية وعزّة النفس.
تزوجها الفاكه المخزومي الذي كان من فتيان قريش، وكان له بيت للضيافة بارز من البيوت يغشاه الناس بدون إذن، فخلا البيت ذات يوم، فاضطجع هو وهند فيه، ثم نهض لبعض حاجته، وأقبل رجل ممن كان يغشى البيت فولجه، فلما رآها خرج هارباً وأبصره الفاكه زوجها، وأقبل إليها وضربها برجله، وقال لها: من هذا الذي خرج من عندك؟ قالت ما رأيت أحداً، ولا انتبهت حتى أنبهتني، فقال لها: ارجعي إلى أمّكِ، لأن العرب مع شركهم يستعيبون زنا الحرة، كما قالت هند نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المبايعة لما أسلمت: أو تزني الحرة؟! وتكلم الناس فيها، وقال لها أبوها: يا بنيّة إن الناس قد أكثروا فيك، فأبيني نبأك، فإن كان عليك صادقاً، دسستُ عليه من يقتله، فتنقطع عنكِ المقالة، وإلا يكُ كاذباً إلى بعض كهّان اليمن، فقالت: لا والله ما هو علي بصادق.
فقال له أبوها: يا فاكه إنك رميت ابنتي بأمر عظيم، فحاكمني إلى بعض كهّان اليمن، فخرج الفاكه في جماعة، من بني مخزوم، وخرج عتبة في جماعة من بني عبد مناف، ومعهم هند ونسوة، فلما شارفوا البلاد قالوا غدا نرد على الرجل، فتنكرت هند فقال لها أبوها عتبة: إني أرى ما حلّ بك من تنكر الحال، وما ذلك إلا لمكروه عندك، قالت: والله يا أبتاه ما ذاك لمكروه، ولكني أعرف تأتون بشراً يخطئ ويصيب، ولا آمنه أن يسمني ميسماً يكون علي سُبّة فقال لها: إني سوف أختبره لكِ، فصفّر بفرسه حتى أدلى، ثم أدخل في إحليله حبة برّ وأوكأ عليه بسير، فلما أصبحوا قدموا على الرجل، فأكرمهم ونحر لهم، فلما قعدوا قال له عتبة: جئناك في أمر وقد خبأتُ لك خبأ، أختبرك به فانظر ما هو؟
قال نمرة في كمرة، قال: إني أريد أبْيَن من هذا؟ قال: حبة بر في أكليل مُهرٍ، قال: صدقت انظر في أمر هؤلاء النسوة، فجعل يدنو من إحداهن، فيضرب بيده على كتفها ويقول: انهضي حتى دنا من هند فقال: انهضي غير رسخا ولا زانية، ولتلدنّي ملكاً يقال له معاوية.
فنهض إليها الفاكه وأخذ بيدها، فنثرت يدها من يده، وقالت: إليك عني فوالله لأحرص أن يكون ذلك من غيرك.
ثم قالت لأبيها عتبة بن ربيعة، إني امرأة قد ملكتُ أمري فلا تزوّجني رجلاً حتى تعرضه عليّ قال: لك ذلك، فقال لها ذات يوم: إنه قد خطبك رجلان من قومكِ ولست مسمياً لكِ واحداً منهما. وقد أسلمت هند في عام فتح مكة، في اليوم الذي أسلم فيه زوجها أبو سفيان وحسن إسلامها، ولما كانت قد خرجت تشجع قبل إسلامها المحاربين.
فقد ذكر ابن الأثير في كتابه أُسد الغابة في معرفة الصحابة، أن إسلامها بعد إسلام زوجها أبي سفيان بليلة واحدة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرها على نكاحها، وأن بينها وبين إسلامه فترة قصيرة، وشهدت مع المشركين غزوة أحد ولما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء في عام الفتح، وكان عليه الصلاة والسلام لا يصافح النساء، وإنما يبايعهن بالكلام، وفي البيعة قال: {وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} قالت: مستغربة وهل تزني الحرة، أو تسرق.
فلما قال: {وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ} قالت: ربيّناهم صغاراً وقتلتموهم كباراً، ثم شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها أبا سفيان، وقالت: إنه شحيح لا يعطيها من الطعام ما يكفيها وولدها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذي من ماله ما يكفيك وولدكِ بالمعروف.
وروى هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت هند لأبي سفيان: إني أريد أن أبايع محمداً؟ قال: قد رأيتكِ تكذّبين هذا الحديث بالأمس.. قالت: والله ما رأيت الله عُبِدَ حق عبادته في المسجد -تعني الحرم المكي- قبل الليلة، والله إن باتوا إلا مصلين -تعني الصحابة عام الفتح-.
قال: إنكِ قد فعلتِ ما فعلت -لعله يريد مشاركتها المشركين في غزوة أحد- وتمثيلها بجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو مع القتلى مع أن ابن الأثير في أسد الغابة قد قال: وقيل إن الذي فعل ذلك، ومثّل بجعفر بن أبي طالب: معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية، جد عبدالملك بن مروان لأمه، وقتله النبي صلى الله عليه وسلم صَبراً منصرفه من أحد.
وفي رغبتها مبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لها زوجها أبو سفيان: فاذهبي برجل من قومكِ معكِ، فذهبت إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقيل إلى أخيها أبي حذيفة بن عتبة، فذهب معها فاستأذن لها، ودخلت وهي منتقبة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبايعيني على ألا تشركي بالله شيئاً، على نحو ما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، السابق.
وشهدت حرب الشام في اليرموك، وحرّضت على قتال الروم، مع زوجها أبي سفيان وكانت قبل أبي سفيان تحت حفص بن المغيرة، وقيل الفاكه بن المغيرة، وقصتها معه مشهورة.. وتوفيت هند في خلافة عمر بن الخطاب، في اليوم الذي مات فيه أبو قحافة، والد أبوبكر الصديق.
قال الزركلي كانت وفاتها عام 14هـ، وكان لها صنم في بيتها، وبعد أن أسلمت عادت إليه، وجعلت تضربه بالقدّوم، حتى فلذته وهي تقول: كنا منك في غرور. رضي الله عنها.
ومن كلامها: المرأة غلّ لا بد للعتق منه، فانظر من تضعه في عنقك.
ورؤي معها ابنها معاوية، وهو صغير فقيل لها: إن عاش ساد قومه، فقالت: ثَكِلتُهُ إن لم يَسُدْ إلا قومه.
وكانت لها تجارة في خلافة عمر، ولها أخبار كثيرة، إذ كانت فصيحة جريئة، صاحبة رأي وحزم تقول الشعر بكثرة، ترجمتها متوزعة في 13 مصدراً. قال عنها عمر رضي الله عنه كما له: إنها لما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله الحمد لله الذي أظهر الدين الذي اختاره لنفسه لتنفعني رحمك يا محمد، إني امرأة مؤمنة بالله، مصدقة برسوله، ثم كشفت عن نقابها، وقالت: أنا هند بنت عتبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرحباً بك. فقالت: والله ما كان على الأرض أهل خباء أحبّ أن يُذلّوا من خبائك، ولقد أصبحت وما على الأرض أهل خباء أحب إلي من أن يعزّوا من خبائك.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من خبائكِ” زيادة، وقرأ عليهن القرآن فقال: “تبايعنني على أن لا تشركن بالله شيئاً” فقالت هند: والله إنك لتأخذ يا رسول الله علينا أمراً ما تأخذه على الرجال وسنؤتيكه. قال: ولا تسرقن، قال: والله إن كنت لأصيب، من مال أبي سفيان الهنة والهنة، وما أدري أكان ذلك حلالاً لي أم حراماً، فقال أبو سفيان وكان حاضراً لما تقول: أما ما أصبت فيما مضى فأنت منه في حلّ (أعلام النساء: 246). وكان كما له قد بدأ حديثه عنها بما يدل على إعجابه، وبما يوضّح شخصيتها التي جبلت عليها بإيجاز، وقال: وقلّ أن تجتمع بأفذاذ الرجال فما بالك بالنساء.
ولما رجع أبو سفيان من عند النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة في ليلة الفتح، صاح يا معشر قريش إني قد أسلمت فأسلموا، فإن محمداً قد جاءكم بما لا قِبل لكم به، فأمر رسول الله بنداء: بأن من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، وهذا من ضمن من أمّن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأشار عليها أن تذهب لرسول الله مع عثمان بن عفان، فدخلت بعد ان استأذن لها عثمان منتقبة فقالت: الحمد لله الذي أظهر الدين الذي اختاره لنفسه، لتنفعني رحمك يا رسول الله، إني امرأة مؤمنة مصدقة برسوله، ثم كشفت نقابها، وقالت: أنا هند بنت عتبة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرحباً بكِ.
وقرأ على النساء القرآن، وأمر عمر بن الخطاب بأن يبايعهن، لأنه صلى الله عليه وسلم ما صافح يد امرأة قطّ، كما قالت عائشة رضي الله عنها، بل يبايعهن بالكلام.