أغلب كاتبات وكتّاب الرأي لا يعرفون ما الذي يدور داخل مؤسساتهم الصحافية، لأنّ جلَّهم يكتب من بيته، ويرسل مقاله عبر البريد الإلكتروني أو الفاكس، وبعضهم الآخر قد يكون على اطلاع بما يدور في وسط التحرير وخطوات التعامل مع هذا المقال من بداية وصوله إلى وقت نشره، عدا هذا من عمل تحريري وخطط مهنية، فغالبًا كاتب الرأي يكون بعيدًا عنها.. أما الإدارة العامة ومجلس الإدارة والتعامل مع الإعلان والمعلن فهذا هو أبعد الأبواب عن كُتّاب الرأي، ولا يهمه في هذا السياق سوى “تابو” المعلن الذي يملك في معظم الصحف الحصانة ضد النقد، كما يهمه محافظة صحيفته على مستوى عالٍ مع الإعلانات لضمان استمرار عاموده، ونتذكّر ما حدث قبل شهر عندما استغنت صحيفة الرأي الأردنية عن معظم كاتباتها وكتّابها، وتقليص عددهم من 53 كاتبًاً إلى 8 كتّاب رئيسيين، وبذلك تم توفير مبلغ 500 ألف دينار سنويًا، وهذا الخبر هو موجع لكنه يُعبر عن وضع الصحف في عالمنا العربي، وتأثير التراجع المادي على كمية ونوعية الطرح والفكر الذي تقدمه هذه الصحف.
أوردت هذه الديباجة وأنا أكتب لكم مقالي هذا من دبي، من وسط الأفكار الإدارية لمستقبل هذه الصحيفة، في مناسبة نعيشها بدبي مع صحيفتنا “الجزيرة” وليس لها دخل مباشر بالكتابة والمقالات، إنما هو احتفال كبير أرادت فيه صحيفتنا أن تحتفي بكبار المعلنين، وقامت بدعوتنا لأنها تنظر لمساحات الرأي نظرة مستقبلية واعية، في التأكيد على أنّ الصحافة الورقية هي صحافة رأي أولاً، بعد أن أندثر عنها الخبر وتقلّصت بقية الفنون الصحافية. ولأنّ “الجزيرة” دائمًا تبادر بإيجاد أشكال مميّزة من التواصل بينها وبين كتّابها، سواء عبر الندوات الدورية التي تفتح فيها مجال اللقاء ما بين كتّابها وكبار المسؤولين من وزراء وغيرهم، كما فعلت في مناشط سابقة، حيث جعلت المسؤول في لقاء مباشر مع الكتاب، وهذا لأنها تُفكر بنوعية الطرح وتحرص على منطقيته بعيدًا عن التأويلات أو استقاء الأفكار عبر مصادر قد لا تتسم بالحيادية، لذا كانت دائمًا تقول من خلال ندواتها: “تفضلوا أيها الكتّاب، هذا هو المسؤول أمامكم، خذوا منه المعلومة .. ناقشوه وسائلوه بأنفسكم”، فصنعت الجزيرة تحت قبّتها برلمانًا مصغرًا في شكله كبيرًا في طرحه.
لم تكتفِ “الجزيرة” بهذا، فقدمت كتاب الرأي في هذا الحفل البهيج في دانة الدنيا، للمعلن الذي بدوره يحرص أن لا يخسر أمواله إلاّ في صحف تمتلك عناصر الجذب للقارئ، وليس هناك ما يجذب في الوقت الحالي مثل مساحات وأعمدة الرأي، فجعلت كتّابها في لقاء مباشر ليتعرّفوا على هذه المؤسسات المعلنة، ورؤية شكل الخطط المستقبلية في حرص إدارتها على اجتذاب نوعية مميّزة من المعلنين، والالتقاء بالعقول الإدارية التي تعمل داخل أروقة هذه الصحيفة وتصنع النجاح لضمان استمرار هذه الأعمدة الفكرية، وهذه الكواليس التي في الغالب لا يعرف ما يدور فيها لا فريق التحرير ولا كتّاب الرأي، إلاّ أنّ العقل الإداري في “الجزيرة” أراد أن يقول لنا هذا هو عملنا.. المبهج حقيقة هو فريق الإدارة الشبابي من الجنسين، والذي يعمل بحماس لمستقبل “الجزيرة” كذلك ما أسعدني هو العدد الكبير من الفتيات المميّزات، ما يؤكد على اهتمام هذه الصحيفة ليس بمشاركة المرأة في إدارتها وتحريرها فحسب، بل في كونها عنصرًا رئيسًا ويتضح هذا من عدد الفتيات الموازي لزملائهن إن لم يكن عددهن أزيد.
ما قرأته في هذه الأفكار الإدارية، هو أنّ “الجزيرة” أرادت أن تؤكد على تعزيز الولاء والانتماء الوظيفي، وخلق الروح الواحدة، وأن كاتب الرأي ليس هو من يكتب من بيته، بل هو شريك في الحاضر والمستقبل التحريري والإداري.
إنّ هذه الأفكار الخلاّقة بكل روعتها، يزيدها جمالاً أنها صناعة سعودية شبابية متكاملة داخل مؤسسة تعمل بروح واحدة.. أعلم أنّ هناك من سيقول إنني أكتب مقالاً أمتدح فيه صحيفتي، وردِّي هو نعم.. فمن غير الجزيرة يستحق الثناء، ولو غادرتها في يوم ما، فسأمتدحها مرة أخرى!