إن حديثي عن هذه القامة الفذة يأخذ الصفة الوجدانية والانطباعات الشخصية أكثر من المنهجية العلمية، لأن الحديث عن العلماء والمفكرين يوجد متخصصون ومبدعون لديهم القدرة على رسم ملامحهم وإنجازاتهم وما قدموه للأمة، ومن هؤلاء أستاذنا وفقيدنا المربي والقيادي التربوي الكبير معالي الدكتور محمد الأحمد الرشيد رحمه الله الذي حمل هم التعليم وهموم الأمة تجاهه وتخصص في العلوم التي تخدمه ودخل معترك التعليم الأكاديمي ليترجم الآمال والطموحات والأحلام من خلال كلية التربية بجامعة الملك سعود المحطة الأولى بعد حصوله على شهادتي الماجستير الدكتوراه، حيث أضاف الشيء الكثير من البرامج التي تسهم في إعداد المعلم وبناء شخصيته وحرصه أن تكون الحرية الأكاديمية متاحة داخل هذه الكلية، ولم يتوقف الأمر على ذلك فالتربية السياسية كانت حاضرة في محاضراته التي لا تخلو من الإثارة والصراحة وطلابه يحرصون بكل لهفة وشوق على الانتظام في حضور دروسه ومحاضراته، وقد تأثر الكثير من طلابه بشخصيته التي يرجعون الفضل بعد الله إليه وأن وصولهم إلى المراكز القيادية ما كان ليتم لولا المناخ الأكاديمي الذي هيأه الذي أحيانا يتعدى الأنظمة المجدولة المقرة في أنظمة الجامعة، وهذا يعتبر ثمرة أسفرت عن إنجاز تحقق لتطوير التعليم في أروقة التعليم العالي الذي على ضوئه قادت إلى ميدان آخر ليرسم محطة أخرى لتطوير التعليم العام والعالي في دول الخليج من خلال مكتب التربية العربي لدول الخليج الذي تولى هرم القيادة فيه لأكثر من تسع سنوات ونصف حقق فيه الكثير من الإنجازات، ومن أهمها توحيد المناهج في الدول الأعضاء في المكتب وعمل الكثير من الحلقات والورش الدراسية بالإضافة إلى الندوات الفكرية واللقاءات العلمية التي تصب في خدمة التعليم العام والعالي أيضاً حاول أن يكون المكتب له حضور في منظومات المعرفة الأخرى مثل الطاقة الشمسية والنووية من خلال إدارة متخصصة في المكتب اسمها إدارة العلوم التي تعنى بمثل هذه القضايا إضافة إلى اهتمامها بالمناهج التي ترتبط بالعملية التربوية أيضاً اهتم بالتعليم العالي النوعي من خلال إنشاء جامعة الخليج العربي التي من أهدافها إيجاد التخصصات النادرة التي لا توجد في جامعات الدول الأعضاء، وهذا الحلم أصبح حقيقة وتعتبر الآن من أفضل الجامعات في المنطقة. اهتم بالبحث العلمي من خلال إصدار مجلة رسالة الخليج العربي وعمل على أن تكون مجلة علمية معرفاً بها، كذلك لم يغب عن باله أهمية الثقافة ودورها في بناء العقلية المثقفة، حيث أوجد من ضمن إدارات المكتب إدارة اسمها (إدارة الثقافة والمعلومات) والتي تبنت الكثير ما يتطلع إليه المثقف والناشر العربي ومن أهمها ميثاق الناشرين في دول الخليج بالإضافة إلى الإصدارات الكثيرة في شتى أنواع المعرفة أيضاً اهتم باللغة العربية لغير الناطقين بها الذي أثمر عن منهج متكامل اسمه (أحب العربية) يدرس الآن في معظم دول العالم، كذلك اهتم بالتأصيل الإسلامي وخدمة السنة النبوية الذي يعتبر من أهم الأعمال التي قدمها لخدمة الإسلام، حيث اتفق مع الشيخ الألباني رحمه الله في تحقيق كتب الصحاح الأربعة (سنن أبي دواد وسنن) النسائي والترمذي وابن ماجه) وضعيف الحديث، منها أيضاً اهتم بالترجمة وقضاياها وعملت الكثير من الدراسات حولها وقام بترجمة بعض الكتب الأجنبية التربوية إلى اللغة العربية وقبل أن أختم لابد من أن أشير إلى الجهد الذي بذله في تخصيص جزء كبيرعن المبنى الذي يقع فيه المكتب ليكون مقراً لمكتبة المكتب وقد استعان ببعض الخبرات الأكاديمية لوضع آلية لاختيار مجموعاتها من الكتب والمراجع والقواميس وطريقة تكشيفها وتصنيفها بالإضافة إلى الأقسام الأخرى التي يجب أن تكون في المكتبة مثل قسم الاعارة والتبادل والإهداء والمراجع: والرسائل العلمية ومناهج الدول الأعضاء وإصدارات المكتب وقد حرص أن تكون محتويات المكتبة موثقة في الحاسب الآلي في السنوات الأولى من استخدامه أيضاً كان متواصلاً مع المكتبة بشكل مباشر، حيث بين وقت وآخر يدخل للمكتبة على غفلة من موظيفها ليتفقد مجموعاتها والدوريات العلمية التي ترد إليها، وأذكر في يوم من الأيام سأل عن أحد أعداد مجلة اسمها مجلة التربية تصدر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وعندما تفقد أعدادها على الرف الخاص بها أين العدد وقد وجهني بضرورة متابعة الدوريات العلمية بالمكتبة أولا بأول.
رحمك الله يا فقيد التربية والتعليم جزاك الله على ما قدمته لهذه الأمة جنة عرضها كعرض السماوات والأرض إنه سميع مجيب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد...