الجزيرة - فيصل العواضي:
نظمت لجنة السرد والعروض المرئية بالنادي الأدبي بالرياض أمسية وفاء وتكريم لذكرى الراحل الأديب الأستاذ راشد بن محمد الحمدان -رحمه الله- أول مدير للأندية الأدبية في المملكة, وذلك مساء الاثنين الماضي في قاعة المحاضرات الرئيسية بمقر النادي، بحضور صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن فهد بن عبدالعزيز (أحد تلاميذ الأستاذ راشد الحمدان الأوفياء)، وعدد من الأدباء والمثقفين والأساتذة الجامعيين.
وشارك في أمسية الوفاء كل من الأستاذ سعد بن عبدالله الغريبي بورقة عنوانها «راشد الحمدان، شخصيته من كتابه: خراف الأيام», في حين شاركت ابنة المكرم الدكتوره هيفاء بنت راشد الحمدان, بورقة أخرى عنوانها: «تداعيات الحنين وانثيال الذاكرة», وأدار الأمسية الأستاذ عبدالرحمن بن سلطان السلطان» رئيس لجنة السرد والعروض المرئية بالنادي.
بدئت الأمسية بعرض فيلم وثائقي عن الراحل في بدايته, سجلت فيه لقاءات سريعة مع مجموعة مختارة من الشخصيات الأدبية والثقافية ممن عاصروا الراحل في مراحل حياته المختلفة.
بعدها تحدث الأستاذ سعد الغريبي متناولاً كتاب الراحل «خراف الأيام» حيث ذكر بأنه ليس للحمدان من مؤلفات سوى هذا الكتاب الذي طبع عام 1406هـ في نادي أبها الأدبي، ووصف هذا الكتاب بأنه لخص حياة مؤلفه، وذكر أن المؤلف كتب في مقدمته عن أفكار متعددة بعضها يخاطب العقل وبعضها يخاطب القلب ومخاطبة الاثنين تحتاج إلى نوع من التوازن؛ لأن القلب إذا غمره الفرح ارتاح العقل فانتظم أما إذا غمر القلب الحزن والكآبة فإن العقل يضمر ويصاب بعقم في الابتكار.
وذكر أن الكاتب وزع ما تبقى من الكتاب حول آرائه الخاصة في كثير من قضايا التربية والشباب. وتحدث أيضاً عن التغيرات التي أصابت المجتمع في عاداته وأخلاقه، وتحدث عن بدايات التعليم وكيف كانت الحكومة تلاحق الأطفال لحملهم بالقوة إلى دار التوحيد أو إلى مدرسة الأيتام السعودية بالمربع عام 1368هـ التي كانت من نصيبه قبل أن يذهب إلى دار التوحيد مختاراً، وعرّج المتحدث عن الراحل بالحديث عن الأيام الخوالي لذكرياته، وفي نهاية الحديث تحدث عن المرض وأسبابه وأدوائه وتحدث عن الموت، وكثيراً ما أشار إلى فوائد المرض والحاجة إليه وضرب مثالاً بأن الإنسان يحتاج إلى المرض لكي يختبر قيمته لدى الآخرين ومنزلته عند ربه.
وقد ذكر المؤلف عادة مستشرية عند الناس وهي تقدير الأموات وتساءل لم لا يقدر الإنسان ويكرم مادام على قيد الحياة فرد ذلك إلى النفاق الذي لا يتركه الناس حتى وهم واقفون على حافة القبر يدفنون ميتهم.
بعدها تحدثت ابنة الراحل الدكتورة هيفاء الحمدان شاكرة النادي الأدبي بالرياض على هذه البادرة الطيبة لحفل الوفاء، ثم بدأت الحديث عن والدها الذي كان مثالاً للأب العطوف الحازم في غير قسوة يحمل بين جنبيه هم تنشئة جيل بأكمله وليس ثمانية من الأبناء فحسب، ثم ذكرت أن والدها عند سفره يعرض عليها أن تراجع معه حفظه للقرآن الكريم، وكان ديدنه -رحمه الله- أن يقطع الطريق ذهاباً بسورة البقرة وإياباً بسورة آل عمران.
وأشارت إلى أن والدها يهتم بالقراءة ولم ينقطع عنها، وكان أشد ما يثير استياءه عند تصفح كتاب ما أن يجد ثنية في زاوية إحدى صفحاته أو تهميشاً بالحبر على جوانبه.
ثم تحدثت عن إنسانيته ورقة قلبه بمواقف كثيرة، موقف يحكي حسن الجوار ولطف الجانب مع جاره إبراهيم البرادي الذي يجاوره مسكنه في قريته حرمه (قرب المجمعة)، وكان البرادي يعلم أن الوالد -رحمه الله- كثيراً ما يتردد على منزله دون أن يصحبه أحد من أبنائه فيمكث باليومين والثلاثة وربما أسبوعاً رغبة في التخلص من ضجيج المدينة وصخبها، يقضي أوقاته متأملاً قارئاً أو منشغلاً بهوايته المحببة إلى نفسه الزراعة، فأراد البرادي أن يكرم ضيفه الجديد فدعاه أكثر من مرة ليقيم له واجب الضيافة فاعتذر منه الوالد رحمه الله؛ لأنه يريد أن يثقل على جاره، فما كان من البرادي إلا أن أرسل للوالد حافظة طعام إلى منزله، فلما أراد الوالد أن يرد الجميل ويعيد الحافظة إلى بيت جاره تناول ورقة وقلماً وكتب فيها أبياتاً وضعها في الحافظة الفارغة ثم أرسلها ممتناً لكرم جاره وهي:
لي جار كلما قابلته
أمطرت سحبه علي وفاضت
بين بابي وبابه خطوات
يرسم الجود مشيها حين جادت
فتذكرت حينها يوم كانت
زاهيات عاداتنا ثم بادت
فاذكروا أهل حرمة أريحياً
(البرادي) صلاته قد تهادت
فسلامي عليه يوماً فيوماً
فحروفي بنبله قد أشادت
وتحدثت عن والدها بأنه كان بسيطاً متواضعاً لين الجانب تقبل عليه الدنيا فيعرض عنها قنوعاً، لا يحب الإسراف والتكلف، يؤمن بأن الإنسان هو ما يتقن حين تصغي إلى نصائحه وتحذيره من بهرج الدنيا وزيفها. بعدها بدأت المداخلات من الحضور، يتقدمهم سمو الأمير عبدالعزيز بن سعود الذي كشف عن دور الراحل في مسيرته التعليمية، والأستاذ حمد القاضي بذكريات أبانت الشخص.
والأستاذ حمد القاضي بذكريات أبانت الشخصية الساخرة للحمدان، والدكتور ناصر الرشيد وذكريات دار التوحيد، ومحمد بن عبدالله الحمدان، ومحمد بن ناصر الأسمري، وعبدالله سالم الحميد بمواقف متعددة مع الراحل.
وقد حضر الفعالية عدد من أصدقاء الفقيد وجيرانه وأقاربه، وفي المقدمة: الأستاذ بندر آل الشيخ، والأستاذ حمد الدعيج (عضو مجلس الشورى سابقا)، والأستاذ محمد القويعي وأبناء وبنات وإخوان وأقارب الفقيد عرفاناً ووفاءً لهذا الأديب.
وقد أصدرت أسرة الفقيد كتاباً في نحو خمسين صفحة عنوانه «ليلة وفاء للأستاذ الأديب راشد بن محمد الحمدان» وزع على الحضور، وتولت الإشراف على الكتاب وجمع المادة ابنته أمل الحمدان.
وفي سياق آخر، أقام النادي في اليوم نفسه ضمن نشاطات منتدى الشباب ليلة بعنوان «تجارب في الكتابة» شارك فيها ماجد سليمان، وخالد مطلق، وأدارها الأستاذ محمد الشماسي، وكان من أبرز المداخلات، مشاركة الدكتور سالم القرزعي بكلمة توجيهيّة للشباب.