إكمالاً للخوض في إحدى أهم علوم الرياضة الحديثة الموصلة لاحترافية الأداء والفكر، نبدأ من حيث انتهينا وتحديداً في السؤال المطروح في الأسبوع الماضي: (على عاتق مَنْ تجثم مسؤولية تعزيز وزيادة الذكاء العاطفي، هل هو اللاعب؟ أم المدرب؟ أم أنها مسؤولية المنظومة ككل؟).
بالتأكيد، يجب على منظومة الفريق ككل تقبُّل فكرة تحديد وقياس وتعزيز الذكاء العاطفي لدى أفرادها أولاً قبل تحديد المسؤوليات وتوزيع الأدوار.. في حين أن تعزيزها يقع على عاتق الجهاز الفني للفريق.. وللوصول لهذه المرحلة من التقبّل التام يحتاج المدير الفني لنقطتين بالغتي الأهمية:
1 - توطيد العلاقة مع من يحتلون المكانة الأهم (خارج منظومة الفريق) لدى كل أفراد الفريق، والتي تتمثَّل غالباً في عائلة هذا الفرد لكي تكون هناك مقاربة حقيقية لفهم خلفية ونفسية الفرد.
2 - إدخال العامل الأكاديمي ضمن المنظومة الفنية الإدارية للفريق بتعيين شخص خبير ومتخصص في المجال لتعزيز ثقة أفراد الفريق بصحة المعلومات ووسائل التدريب الجديدة التي سيتم إضافتها لجدول التمارين الدوري، والتي غالباً لن تلقى ذات القبول لو صدرت من المدير الفني غير المتخصص بالعلوم النفسية عامة والذكاء العاطفي بخاصة.
وبعد إرساء هذين المفهومين (التفهم والثقة)، تبدأ مرحلة رصد وتحديد ردود الأفعال لدى كل فرد من الفريق على حدة.. هل هذا الفرد يُصاب بالإحباط إذا (تأخر) تحقيقه للهدف المطلوب منه؟.. هل يفقد الثقة بنفسه إذا قام بفعلٍ معين ولم تجرِ الأمور كما كان يأمل؟. وبعد هذا الرصد الدقيق خلال التمارين والمباريات، يتم وضع سيناريوهات مماثلة خلال التمارين للحظات التوتر الكبرى خلال المباريات للوصول إلى أقرب محاكاة لها، ومن ثمّ يتم تجربة مختلف أدوات التحفيز التي تصدر عادة من المدرب أو المدير الفني للوصول إلى (المحفز الأمثل) الخاص بكل فرد من الفريق.. فبعض الرياضيين يستجيبون للتشجيع، وبعضهم يشتعل حماسة إذا شعر أنه خذل مدربه فيسعى لإثبات عكس ذلك، والبعض الآخر يعطي أفضل ما عنده إذا تم توجيهه بشكل مستمر خلال دقائق اللقاء.
كل تلك العملية تحتاج لكثير من الوقت وكثير من الصبر وتحتاج في المقام الأول لعين ثاقبة تستطيع تمييز الاختلافات العاطفية الفردية لدى أفراد الفريق للحصول على أفضل نتيجة من خلال إيجاد أفراد على أرضية الملعب يستطيعون التكيُّف والتأقلم مع مختلف أطوار أكثر اللقاءات التنافسية توتراً وحرقاً للأعصاب.
هي كما قلت سابقاً في الجزء الأول من المقال: مباراة بداخل مباراة.. فمن يتحكم بردود أفعاله وتقلبات عواطفه ويطوِّعها كما شاء، سهل عليه التغلب على ظروف اللقاء وعلى المنافس.. ففي عُرفنا الرياضي (محلياً) نجد عديد الأمثلة لهذه الثقافة النفسية الرياضية، ونطلق عليها مجازاً (الروح).
شدَّني كثيراً هذا الجانب من بحر العلم الرياضي، وأبهرني في ذات الوقت العدد الضخم من الأطروحات الأكاديمية والمحاضرات والمقالات التي صدرت من عدد كبير من المتخصصين في مجال الذكاء العاطفي الرياضي تحديداً.. ما زلنا نمتهن هواية الاحتراف فلِمَ لا نجرب ولو لمرة أن نحترف ما نهواه؟.. تساؤل يستحق التفكير ولو للحظات.
بقايا
- مثال رائع للذكاء العاطفي الجماعي كان فريق الفتح في الموسم الماضي، فالأهداف كانت مختصرة وواضحة.. الفوز بلقاء، وقبله الفوز بشوط، وقبله تسجيل هدف ومنع استقبال هدف، وقبل كل ذلك التغلب على المنافس في كل دقيقة ولعبة في المباراة.. وفي الأخير توّج الفتح بطلاً للدوري.. وقد نراها مستقبلاً من التعاون أو حتى نجران.. من يدري؟
- دخلت أنديتنا وجماهيرها في دوامة الانتقالات وما يصاحبها من إشاعات ومعلومات مغلوطة يتم تسريبها بقصد أو بحسن نية.. الأكيد أن فترة الانتقالات هذه لن ترتكز فقط على سد حاجات الفريق، بل للسعي لإضعاف المنافس.. ويظل البقاء (للأدهى).
- فقط في وسطنا الرياضي يُعتبر الاعتذار مهانة، والتّشمت بالمنافس بطولة، والشفافية ضعفاً، وإحسان الظن غباء. هو وسطٌ قانونه الأوحد: (لا قانون).
- تعريف الحظ: (أن تكون متواجداً في المكان المناسب، في الوقت المناسب، بكامل عدتك وعتادك).. وليس كما يصوّره البعض بأنه هدية من السماء تهبط في أحضان النيام.. فهل نعتبر من يمتلك (طفاية) حريق في منزله وتدرب على استخدامها، ثم استطاع إخماد الحريق بأنه محظوظ أم جدير بذلك؟.. قاتل الله الحسد.
خاتمة
(تكاثرت الظباء على خراشٍ
فما يدري خراش ما يصيد)