تنفيذ الأنظمة، وتطبيقها من قبل الأفراد, ضمانٌ للترتيب، والتوفيق, والعدالة, وحماية الوقت من الهدر, وطمأنينة النفوس للمساواة..,
وبه يستتب العدل, وتُحفظ الأمانة, ويتم الإنتاج, وتتسع مضامير العمل الجاد حين يواجه المرء نفسه بأن ليس من شيء يسلب وقته, و يقلق أمنه, و يتعب جهده, غير النفور عن هذه الضمانات بعدم إتباع أنظمة مجتمعه وجماعته..
بل يجد بأن عليه في ضوء النظام أن يبذل ما استطاع للإخلاص في عمله, والصدق في اجتهاده, ومن ثم عليه التحدي للأفضل، والأميز..من أجل مجتمعات ينشدون لها الأمثل، الأعدل، الآمن، والأكثر حرية, وفرصا للتطور, والتنافس، والنمو, والرخاء, والأمان, والسلام, والاستدامة..
ولأن الأنظمة لا تتحقق على هذا الوجه ما لم تكن لها حماية من متابعة أمينة, وعيون بصيرة, وتجرد من هوى، وخشية من رب, واحترام لولي, وإشفاق من ولاية، إلا من قبل الأفراد، ومسؤوليتهم الذاتية عنها وإن كان الفرد حارسَ السرب في خلية عمله, أو في صدر داره, أوفي كوكبة فريقه..
وللمرء في نظام سرب الطيور المهاجرة نموذج إلهي ماثل للعيان, لبصيرة الجِنان, وكذلك في النحل والنمل.. وسيرورة الأكوان الأرضية والسماوية..
وإلا فما قيمة العقل, ودور الإدراك..؟ ومهمة الإحساس..؟!
لو عاد كل فرد إلى نفسه, وحدد موقعه كطير في سربه.., وعرف أهو في المقدمة أو المؤخرة, على طرفي السرب أو في وسطه, وحدد دوره, وتبصر في مسؤوليته, وعلم أنه واحد في كل, وعين في جسد, وقلب في جماعة, وأنه إن اختلت فيه الحركة فيسضل عن سربه, أو سيضلله, وقنن حجم مسؤوليته.. واستوى صادقا أمينا ممتثلا لنظام السرب في جماعته..لصلحت شؤون الجماعات, ولم تفسد بهم سيرورة الحياة في مجتمعهم البشري الذي تغافل عن ملكة العقل فيه, وسلمها لزمام الهوى..
على كل حال, هذا المروق عن الدور في التطبيق، والتمثيل، والتنفيذ لما يقتضيه أمن السرب من مقدمته حتى مؤخرته, في سلوك الأفراد جميعهم في أي مجتمع يضع أنظمته, ويعلن حدودها، وقيودها ولا يجد الجميع حريصين على تطبيقها, هو المضمون الكلي، والجزئي لأسباب فشل الحياة.., وعتمتها, وضجيجها, وترهلها, حيث يكون الفرد في جماعة, بيته, ومدرسته, وموقع عمله, والحي الذي يسكن فيه, والشارع الذي يسير, ويقف فيه, والمدينة التي ينزل فيها, والبلاد التي يستفيء بسمائها, وتقله أرضها..!