الجزيرة - نواف المتعب:
أثار تراجع معدلات نمو الناتج المحلي المتوقع على الرغم من أن أرقام الميزانية تشير إلى زيادة المصروفات الحكومية تساؤلا حول أسباب هذا التراجع الذي رافقه تراجع في نمو القطاع الخاص.
وأوضح لـ «الجزيرة» الاقتصادي علي الجحلي أنه من المهم أن نلاحظ أن الميزانية يتم إعدادها على توقعات متحفظة لأسعار النفط حتى وإن كانت غير منطقية بأسعار السوق, فالتقديرات المتواضعة التي تعتمدها وزارة المالية تخرجها من الحرج عند حدوث أزمات أو إشكالات، وهو ديدن الوزارة في تعاملها مع الميزانية منذ سنين طويلة.
وأضاف الجحلي: السياسة الاقتصادية ما تزال عاجزة عن إيجاد مصادر دخل بديلة على الرغم من أن الخطط الخمسية تركز على إيجاد البدائل التي تحمي الاقتصاد من تقلبات أسعار النفط في السوق العالمية، فالخطة الخمسية الأولى صدرت والمملكة تعتمد على النفط بنسبة 83% من الناتج المحلي, والخطة التاسعة صدرت ونحن نعتمد على النفط بنسبة 93%, وهذا الإهمال الواضح لتنويع مصادر الدخل وضع الدولة في أزمات سابقاً، وقد يؤدي لأزمات مستقبلية إن لم يتم التعامل معه بمنهجية وقوة.
وعلل الجحلي تراجع نمو القطاع الخاص إلى أنه نتيجة سياسات صندوق التنمية الصناعية والصناديق الحكومية الأخرى، وتراجع دور المصدر الأجنبي في دعم الاقتصاد المحلي وعدم التزام الجهات التي تقوم بعمليات الشراء من الخارج بتعليمات وإجراءات دعم التصنيع داخل المملكة, الأمر الذي حول المملكة إلى مستهلك فقط، إضافة إلى هروب الكثير من المستثمرين لعدم جاذبية الأنظمة والتطبيقات الاستثمارية مقارنة بدول مجاورة أخرى, إضافة إلى سهولة الاستيراد وانفتاح السوق على المنتجات بشكل غير مسبوق.
وعن الحلول اللازمة لتفادي هذا التراجع يقول: يجب أن يعاد تقييم عمليات الإقراض لتركز على المشروعات التي تحقق إضافة نوعية للاقتصاد، وتسهم في إيجاد منشآت ذات مردود اقتصادي على المدى الطويل لهذه المشروعات، ينبغي أن تعاد صياغة عمليات الدعم للمشروعات الجديدة باعتماد معايير جديدة, تتماشى مع احتياجات الاقتصاد و تواجه التحديات التي تعاني منها قطاعاته المختلفة. كما يجب أن تعمل الجهات المختصة على حل المشكلات التي ما تزال تؤثر على نمو القطاع الخاص كالفساد الإداري والمالي.
ويستطرد قائلا لهذه الحلول، لابد من إعادة صياغة تشريعات الهيئة العامة للاستثمار التي تتعامل مع القيمة المضافة للمشروعات من خلال إعادة هيكلة عمليات دعم المستثمر الأجنبي، بحيث تدعم المشروعات ذات المردود الأكبر على الاقتصاد, وليس على المستثمر الأجنبي فحسب.
ويضيف الجحلي أنه من الحلول لإصلاح هذا التراجع أن يوجه المجلس الاقتصادي الأعلى بدعم برامج التوازن الاقتصادي وإخراج البرنامج من قوقعته ليصبح جزءاً من كل عمليات الشراء الخارجي الذي تنفذه قطاعات الدولة بشكل عام, وتحفيز القطاع الخاص ليفعل الأمر نفسه بالنسبة للمنتجات التي تستورد دون معايير رقابية اقتصادية. و ليس هناك ما يمنع أن تكون عملية المشتريات الخارجية العملاقة للدولة تحت نظر المجلس الاقتصادي الأعلى ورقابته للتأكد من تحقيق المطلوب.
ويختتم الاقتصادي علي الجحلي حديثه بأنه وعلى الرغم من أن الاقتصاد استفاد من تكوين شركات عملاقة في السابق كشركة سابك وكيان والاتصالات والكهرباء، وهذه الخطوات يفترض أن تستمر وتدعم الدولة ظهور شركات صناعية عملاقة من خلال استثماراتها التي تضخها حالياً أو تخطط لضخها في السوق على شركات لا تحقق مردود كبير على الاقتصاد.
إلى ذلك أوضح الدكتور صلاح الشلهوب الأكاديمي الاقتصادي ومدير مركز التميز للدراسات المصرفية والتمويل الإسلامي أن توقعات المملكة للميزانية تأتي في الغالب متحفظة باعتبار أنها تعتمد بشكل كبير على أسعار النفط القابلة للتقلبات في أسعارها، وهذا التحفظ يساعد في إعداد تقديرات مناسبة في حال حدوث أي تغير واضح في أسعار النفط. ويضيف إلى انه يستفاد من الفائض الذي يمثل الفرق بين المتوقع والحقيقي في مزيد من المشروعات التنموية إضافة إلى تغطية مصاريف قد تكون طارئة، وهذا ما مكن من استقرار البرنامج الاقتصادي للمملكة من حدوث ما هو غير متوقع إضافة إلى متوسط أسعار النفط مستقبلا قد تشهد انخفاض في العام القادم، فالتقلبات السياسية التي أثرت على أسعار النفط في الفترة الماضية قد تميل اكثر إلى الاستقرار، وقد يحدث نوع من الانخفاض في معدلات النمو في اقتصاديات الدول الناشئة وهذا يمثل تحد لاستمرار استقرار أسعار النفط أو زيادة أسعارها. وحول تراجع النمو المتوقع للقطاع الخاص يقول الدكتور صلاح : لا شك أن القطاع الخاص يساهم في التنمية والزيادة في الناتج المحلي، ولكن مشكلة القطاع الخاص انه يعتمد بشكل رئيسي على الاقتصاد المحلي باستثناء بعض الشركات الكبرى، ولذلك نجد انه يوازي الاقتصاد المحلي في نموه ولا يحقق تنمية مستقلة وهذا يبرز عد وصول هذا القطاع إلى مرحلة الرشد، إذ إن القطاع الخاص يفترض أن يكون داعما للاقتصاد المحلي لا أن يعتمد عليه، بل في اقتصاديات الدول الكبرى يعتبر القطاع الخاص داعم للاقتصاد المحلي ومصدر دخل له من خلال الضرائب والاستثمارات وتوفير فرص العمل. قد يكون من الأسباب التي يتوقع أن تكون مؤقتة حالة التصحيح في سوق العمل التي يمكن أن تعالج بصورة إيجابية في المستقبل خصوصا أنها تدعم دورة راس المال في البلد وتخفف من حجم التحويلات المالية.وقدم مدير مركز التميز للدراسات المصرفية والتمويل الإسلامي عددا ًمن الحلول حيث أشار إلى أنه من المهم دعم استقطاب الاستثمارات الأجنبية النوعية، والعمل على برامج لنقل التقنية ودعم المشروعات أو تبني المشروعات الوطنية النوعية في تقنية المعلومات والصناعات المتطورة، ودعم مشروعات الشباب مع تأهيلهم وتدريبهم، إضافة إلى تسهيل الإجراءات وتوفير التمويل لها.
من جهته أشار الاقتصادي الدكتور عبد الله باعشن أن الناتج المحلي يعد مقياسا للناتج الاقتصادي للدولة، حيث إنه يقيس القيمة الجارية لكل السلع والخدمات المنتجة للبيع في اقتصاد معين خلال عام واحد وعلى نحو مثالي، فإن الناتج المحلي ينمو بوتيرة مطردة من فترة إلى أخرى. وأردف باعشن: بتحييد أثر التضخم على الأسعار يشار إليه الإنتاج المحلي الحقيقي وفي الاقتصاديات التي تعتمد على مصادر طبيعية لدخله ويؤثر في هامش ارتفاع النمو والانكماش بأسعار سعر السلعة وهو انعكاس لمقياس النمو للاقتصاد السعودي، فانخفاض متوسط سعر النفط 97 دولارا وزيادة تحويلات الوافدين أدى إلى تراجع النمو المتوقع، مشدداً على أن ذلك من المخاطر العالية في الاقتصاديات الريعية وتعتمد على القوى البشرية القادمة. ونوه الدكتور عبد الله باعشن إلى أن انعكاس زيادة الإنفاق الحكومي على النمو الاقتصادي بمقدرة الاقتصاد على الاستفادة من الإنفاق في الدخل المحلي.