بكل وقاحة، ينشر معلم على صفحته في تويتر صورة إفطار لطفل في الصف الثالث ابتدائي، ويعلن عن مصادرته لفسحة الطفل لأنه يرتدي زيًا رياضيًا يخالف ميوله!.
مؤلمة للغاية تلك التغريدة والصورة المرفقة بها، فالتعصّب الرياضي لهذا المعلم قد أعماه إلى درجة السطو على طعام طفل وحفنة من ريالات والتفاخر بأنه عاقبه بالوقوف على قدم واحدة.. هذه إحدى صور التعصّب الرياضي، مع قناعتي بأن الشخص المتعصّب في مجال الرياضة هو كذلك في كل أوجه حياته، هذه الفئة من الناس أعماها التعصّب عن المبادئ الإنسانية والأخلاقية، لذا لا يمتلكون القدرة على تطبيقها، فأصبحوا باختصار يعيشون في هذه الحياة بشكل عبثي بلا أي أخلاقيات تردعهم لا دينية ولا إنسانية، فخرجت لنا أرواحهم مشوهة، انعكست على سلوكياتهم التي نراها ونتلمّسها على أرض الواقع.
التعصّب الرياضي شكّل تفرقة وتصنيفات لا نستطيع طمسها ولا إنكارها، فخلق أجواءً رياضية مشحونة بالكره والبغض، وأتعجب عند قراءتي لبعض الكتابات الرياضية التي تلمز في فريق معين أو في أشخاص ينتمون لبعض الفرق الرياضية، فلا أصدق أن كل هذه الكمية من الشحن والتجييش لأجل لعبة كرة قدم، مما يدل على وجود “سطحية” واضحة لدى هذه الفئة من الناس، أيضًا نمط تفكير الشخص المتعصّب يكون موجّه تجاه أمور محددة، وهذا يحرمه من رؤية العالم الواسع، والقدرة على النظر بعين فاحصة تجاه الأمور والأشياء المختلفة.
التعصب الرياضي هو أحد أشكال الاحتقان الفكري، وهو لا يختلف عن أنواع التعصّب الأخرى التي دأب على دراستها وفحصها علماء النفس والاجتماع، وكان لديهم اختلاف واضح تجاه تفسيرات سلوك التعصّب لدى البشر، ومن أكثر الأطروحات التي لفتت نظري في هذا السياق ما ذكره الفرنسي (جاك لوف) في تفسير التعصّب كونه هو السلوك الطبيعي للإنسان وليس التسامح، لأن التسامح شيء مكتسب ولا يحصل إلا بعد تثقيف وتعليم.. سواء اختلفت أو اتفقت مع هذا الرأي، إذ إن الخطورة فيه عندما يحاول الشخص تطبيقه على مجتمعه، من خلال قياس مدى حالة انتشار التعصّب في داخله، وهنا أقصد التعصّب بشكل عام وليس في مجال الرياضة فقط، هذا الأمر يجعلنا أمام حاجة ملحة إلى عملية تعليم وتثقيف على التسامح وقبول الآخر، وهذا هو التدريب الوحيد للأرواح المتعصّبة لتهدئتها وفتح المجال لها للعيش في فسحة واسعة بعيدًا عن حياة التعصّب الضيقة.
وبرغم عدم متابعتي للشأن الرياضي بشكل دائم، إلا أن ما لاحظته من انتشار متعصبين في هذا المجال، هو نتيجة للإعلام الرياضي وبعض البرامج التي تبثها القنوات التجارية والتي تتاجر بالأفكار المتعصّبة، أضف إلى هذا مواقع التواصل الاجتماعي والتي صارت تجذب هذه الفئة وتجلب لها متابعين وهم في الأساس أشخاص غير معروفين، لكن الأخطر هو تغذية الإعلام للأفكار المتعصّبة وعدم وجود مراقبة عليها، فصارت البوابة الأسرع المفتوحة للربح دون النظر إلى النتائج التي نحصدها من هذه النوعية من البرامج.
ولا يمكن إغفال دور وزارة التربية والتعليم وأهميته في نبذ التعصب بكل أشكاله وعلى رأسه التعصّب الرياضي، وتجريمه في المدارس، ولعل القصة أعلاه هي من صميم عمل الوزارة وننتظر مبادرتها في معاقبة هذا المعلم ومن هم على شاكلته!
الأخطر أن هذا الاحتقان قد حدث في بلدان أخرى وسبب مآسي وكوارث راح ضحيتها شباب بعمر الزهور سواء في الشغب بالمدرجات أو بالشوارع كما يحدث من بعض المشجعين في الشوارع الأوروبية.
التشجيع الرياضي والانتماء لفريق نحبه شيء جميل.. لكن الأجمل أن نحب ونشجع دون أن نسيء لأنفسنا وأنديتنا وللآخرين.