جازان - أحمد حكمي:
تعد بيئة منطقة جازان واحدة من أهم البيئات الزراعية على مستوى المملكة لما تتميز به من خصائص متنوعة تجعل المنطقة تستحق لقب سلة غذاء المملكة لسنوات طويلة، في ظل تميز أراضيها الصالحة للزراعة التي بلغت مساحتها (240) ألف هكتار، لكنها أيضا مهددة بالعديد من المؤثرات التي تجعل مستقبل الزراعة على المدى الطويل في المنطقة مهدداً بالتراجع، وكثيراً ما كانت التأكيدات المتكررة من المختصين الزراعيين بأن منطقة جازان قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي للمملكة وهو محفز كبير للمهتمين بهذا الجانب على مستوى الإنتاج الزراعي والغذاء، وتصدير الفائض من المنتجات الزراعية، حيث تتمتع جازان بسهول ساحلية على شواطئ يبلغ طولها حوالي (323 كيلومتراً) على البحر الأحمر، وتعد من أنجح البيئات للاستزراع السمكي لسد حاجة السوق المحلي وتصدير الفائض للأسواق العالمية، كما أنها تعتبر منطقة شبه استوائية، حيث تتراوح معدلات الأمطار فيها من 150 إلى 200 مم سنويا.
فيما يلي سنتحدث عن جملة من الجوانب الهامة كجزء أول من الموضوع، على أن نستكمل بقية الأجزاء على مراحل في القريب العاجل بإذن الله.
ميزات تضاريسية ومناخية
يؤدي تزايد معدلات هطول الأمطار خاصة على المناطق الجبلية إلى جريان السيول في العديد من الأودية التي تنتشر فروعها في سهول منطقة جازان، التي تتسم بخصوبة أراضيها وقدرتها العالية على الاحتفاظ بالمياه مما يقلل الارتشاح الرأسي وإطالة فترات الري واحتوائها على كميات مناسبة من العناصر الغذائية الأساسية اللازمة لنمو النباتات، كما أن موقعها ضمن المناطق المدارية ذات الحرارة التي تميل إلى الارتفاع صيفاً والمعتدلة شتاء وارتفاع معدل الرطوبة النسبية فيها يؤديان إلى انخفاض التبخر (النتح) الأمر الذي يزيد من الكفاءة الزراعية للمنطقة لإنتاج العديد من المنتجات الزراعية خاصة الفواكه شبه الاستوائية وبعض أصناف الحبوب والخضراوات مما يعطيها ميزة نسبية في إنتاجها عن مختلف مناطق المملكة، وتسود منطقة جازان الزراعات التقليدية حيث بلغ عدد مثل هذه المزارع فيها (28608) مزرعة وتصل إجمالي مساحتها إلى نحو (214) ألف هكتار ويوجد في المنطقة العديد من المحاصيل الزراعية كالحبوب والخضراوات والفاكهة والأعلاف كما يوجد بها العديد من أنواع الثروة الحيوانية.
المانجو والفواكه الاستوائية
تشتهر المنطقة بزراعة أشجار المانجو وإنتاجها الغزير أكثر من غيرها من الأنواع والأصناف والمنتجات الزراعية الأخرى التي يتم زراعتها بالمنطقة ,حيث تعد شجرة المانجو التي قد يصل عمر البعض منها إلى 100 عام من أبرز الفواكه الاستوائية التي نجحت زراعتها بمنطقة جازان، ومن العوامل المساعدة لنجاح زراعة المانجو الأرض الزراعية المناسبة، حيث تعد الأراضي الصفراء الخفيفة أو الطميية العميقة جيدة الصرف ومعتدلة الحموضة والأراضي الحصوية المكان المناسبة لزراعة المانجو مع توفر الأجواء ذات الحرارة العالية نسبياً حيث تنمو أشجار المانجو بحالة جيدة عند توافر الرطوبة الجوية والأرضية، وتتنوع أصناف المانجو في المنطقة ومن أهمها (التومي والجل الجلين والزبدة وأبو سناره والكنت والكيت والبلمر والسنسيشن)، وحقق المانجو الجازاني بفضل بيئة المنطقة الزراعية المناسبة سمعة تجارية ليس على مستوى المملكة فحسب بل وحتى على المستوى العالمي؛ حيث وصل منتج المنطقة من المانجو للدول الأوروبية وعدد من الدول الأمريكية واليابان وغيرها من الدول، ويقام له في المنطقة مهرجان سنوي يحظى باهتمام المتابعين على مستوى المملكة، كما تنتج جازان العديد من أنواع الفواكه شبه الاستوائية مثل (التين والجوافة والموز والأناناس والباباي) إلى جانب العديد من أنواع الخضراوات كالطماطم والخيار والبطيخ والشمام والبن.
إنتاج الذرة الرفيعة
ما يميز البيئة الزراعية بمنطقة جازان أيضا إنتاج الذرة الرفيعة والدخن والسمسم والذرة الشامية، إلا أن محصول الذرة الرفيعة يعتبر من أهم محاصيل الحبوب في منطقة جازان.
المدرجات الجبلية الزراعية
وتشتهر جبال جازان بالكثير من مقومات الزراعة يأتي في مقدمتها موقعها الجغرافي المميز وأجواؤها المعتدلة وخصوبة الأرض وكثرة هطول الأمطار الموسمية، مما أعطى تلك الجبال خصوصية قد لا تتوفر لغيرها من حيث الإنتاج لبعض المحاصيل المهمة مثل البن والموز وبعض الحمضيات، ولا يقل البن أهمية عن غيره من المحاصيل الزراعية من حيث اهتمام الدولة، حيث حرصت إمارة منطقة جازان على إقامة أول مهرجان للبن هذا العام وقد شهد إقبالا كبيرا يؤكد ثراء البيئة الزراعية في المنطقة من خلال تنوع المحاصيل المختلفة.
تنوع البيئة الزراعية
في هذا الجانب أكد مدير عام الزراعة بمنطقة جازان المهندس محمد بن ناصر شريم بأن القطاع الزراعي في المنطقة يحمل العديد من المميزات الرائعة لعبت البيئة الزراعية المتنوعة دورا كبيرا فيها حيث تتميز المنطقة بالأراضي الخصبة والمناخ المناسب وبيّن أن تنوع الأراضي الزراعية و منها الأراضي الطينية والصفراء والرملية والأراضي الكائنة على سفوح الجبال ساهم في تطور الزراعة بالمنطقة وكذلك تنوع المحاصيل الزراعية من الذرة بمختلف أنواعها والخضراوات والفاكهة الاستوائية التي ازدهرت زراعتها لخصوبة التربة وتوفر الأودية المتعددة في المنطقة، ومن أهمها وادي بيش وضمد.
سلبية الحيازات الصغيرة
ورأى عميد معهد البحوث والاستشارات في جامعة جازان الدكتور علي بن محمد شيبان عريشي (في تصريح سابق له) أن التنمية الزراعية في جازان تعد المفتاح والعامل الرئيس في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة باعتبارها المورد الأساسي للمنطقة.
وأشار الدكتور العريشي إلى أهم المشكلات التي تواجه التنمية الزراعية والمتمثلة في الحيازات الزراعية الصغيرة التي تتركز في الأراضي الزراعية حول مجاري الأودية التي تعد من أهم الأراضي الخصبة الملائمة للتنمية الزراعية التي تشكل أكثر من 80% من مساحة الأراضي الزراعية في جازان، موضحاً أنه على الرغم من أهمية هذه الحيازات إلا أنها لا تزال تعتمد على الري التقليدي (الغمر) الذي يتباين جريانه من سنة إلى أخرى، وبالتالي التباين في زراعة المحصول الرئيس القائم على هذا الري المتمثل في محصول الذرة، الأمر الذي ترتب عليه بروز عديد من المشكلات الاقتصادية والسكانية.
إحصائية المحاصيل الزراعية
تشير إحصائية أعدتها إدارة الدراسات والتخطيط والإحصاء بوزارة الزراعة إلى أن منطقة جازان تسود فيها الزراعات التقليدية وقد بلغ عدد مزارعها 28608 مزرعة تعادل نحو 8.11% من إجمالي مزارع المملكة تصل مساحتها إلى حوالي 214 ألف هكتار أي ما يعادل 3.5% من إجمالي مساحة المملكة، وأوضحت الدراسة تميز المنطقة بالعديد من المحاصيل الزراعية كالحبوب والفواكه، وتبلغ المساحة (المحصولية) لجميع المحاصيل في منطقة جازان 63050 هكتاراً وتشكل نسبة 8% من إجمالي المساحة (المحصولية) لجميع المحاصيل في المملكة كما تبلغ المساحة للحبوب 45011 هكتاراً، أي ما يشكل نسبة 2.17% من إجمالي إنتاج المساحة المحصولية للحبوب في المملكة، ويبلغ إنتاج الحبوب 113939 طناً تشكل نسبة 8%من إجمالي إنتاج الحبوب في المملكة، وتعتبر الذرة الرفيعة واحدة من أهم المحاصيل المزروعة في جازان؛ حيث تبلغ المساحة المزروعة 40840 هكتاراً ونسبة 9.91% من إجمالي المساحة المزروعة من الذرة في المملكة، كما تشير الإحصائية إلى أن المساحة المزروعة من الذرة الشامية في منطقة جازان 412 هكتاراً تشكل 6.2% من إجمالي المساحة المزروعة، كما يبلغ إنتاج الذرة الشامية حوالي 1163 طناً وهو ما يشكل 2.1% من إنتاج المملكة للذرة الشامية، أما المساحة المحصولية للدخن في المنطقة فهي 1602 هكتار مما يشكل 65% من إجمالي المساحة المحصولية للدخن في المملكة ويبلغ الإنتاج للدخن 2243 طنا بما يشكل نسبة 6.56% من إنتاج المملكة بالإضافة إلى زراعة السمسم؛ حيث تبلغ المساحة المحصولية 337 هكتاراً وتشكل جازان قرابة 49% للمساحة المحصولية لزراعة السمسم بالنسبة لإجمالي المساحة المحصولية الزراعية للسمسم في المملكة، وبلغ إنتاج السمسم في جازان 544 طناً وهو ما يعادل 51% من إنتاج المملكة للسمسم في حين تبلغ المساحة المحصولية للخضراوات 3115 هكتاراً ويعادل 8.2% من إجمالي المساحة المحصولية للخضراوات في المملكة ويبلغ إنتاج الخضراوات في جازان 49053 طنا أي بنسبة 8.1% من إنتاج المملكة وتتميز جازان بزراعة البامية؛ حيث تبلغ المساحة المحصولية للبامية 13111 هكتاراً أي ما يشكل 4.24% من إنتاج المملكة، وتبلغ المساحة المحصولية للأعلاف 11232 هكتاراً أي ما يشكل 6% من إجمالي المحصولية في المملكة وحجم الإنتاج للأعلاف 155063 طناً ما يعادل 2.4% من إنتاج المملكة للأعلاف.
القروض التمويلية للمزارعين
في حين تشير إحصائية عن النشاط التمويلي لصندوق التنمية الزراعية في جازان على مستوى الجمعيات التعاونية الزراعية والمشاريع والقروض العادية، أنها بلغت منذ إنشاء الصندوق 338.242.769 ريالا كان نصيب الجمعيات التعاونية منها 276.352.36 ريالا والمشاريع 497.155.214 ريالا وأن الصندوق ساهم في دعم ومساعدة مزارعي جازان وسهول تهامة وما ماثلها على الاقتراض من الصندوق ممن لا يملكون حجج استحكام مستكملة لأراضيهم وذلك بإصدار وثائق مؤقتة بملكية الأراضي والمزارع.
مشكلات تواجه الزراعة
وتحدث الباحث في المجال الزراعي الأستاذ سليمان علي المالكي عن أهم المشكلات التي تواجه الزراعة في المنطقة من ضمنها التربة، حيث تتعرض لعدة عوامل أدت إلى فقدانها لخصوبتها خاصة في المناطق الجبلية مثل: عملية إجهاد التربة لزراعة المحاصيل ذات النوعية الواحدة باستمرار وعدم اتباع نظام الدورة الزراعية، وبالتالي فقدان التربة لكثير من العناصر والمعادن المكونة لها، فتقل خصوبتها، ومن العوامل الأخرى تعرض التربة وبخاصة في المناطق المرتفعة للتعرية بنوعيها من الرياح والمياه، وبالتالي يقل عمق وسمك التربة مما يؤثر سلباً على النباتات.
هجرة قوى العمل
ويضيف المالكي بأن هجرة قوة العمل الزراعية من المشكلات التي تواجهها الزراعة في جازان وتكون الهجرة لأسباب مختلفة منها البحث عن أعمال أخرى غير الزراعة، توفر دخلاً أفضل للمزارعين، وكذلك اتباع أساليب الري القديمة فالمزارع تعتمد على أسلوب الري بطريقة الغمر وهي أسوأ أساليب الري لما ينتج عنه من آثار سلبية منها إهدار كميات كبيرة من المياه بلا فائدة وتعرض التربة لعملية الانجراف وتعرض تلك المياه للتبخر وزيادتها عن حاجة المحاصيل الزراعية، مما يزيد من تملح التربة، مما يوجب على المزارعين أن يتحولوا إلى أساليب الري الحديثة كالري بالرش و بالتنقيط.
ومن المشكلات أيضا قلة المدخلات الزراعية الصناعية حيث إن قلة العائد من الإنتاج الزراعي وقلة رأس المال لدى المزارعين أدى إلى عدم قدرة المزارعين على توفير الأسمدة والآلات الزراعية الحديثة مما دفعهم إلى الاستمرار في استخدام التسميد الطبيعي العضوي واستخدام الآلات الزراعية القديمة إلى جانب ضعف النظم والإجراءات المحلية التي تضبط الجودة ومعايير الإنتاج وإجراءات حماية حياة وصحة الإنسان والحيوان والنبات، من المخاطر الناجمة عن انتقال وانتشار الأوبئة والأمراض والكائنات الناقلة للمرض والمسببة له.