في أغلب الأحيان تتحدث الأشياء عن نفسها بدون أن تتكلم ، لذلك قد يكون للهيئة والملابس والروائح رمزية طاغية في المجتمعات التقليدية، فعلى سبيل المثال تستطيع تحديد موقع غرفة المدير أو الوزير من اتجاه رائحة البخور ودهن العود، والذي ارتبطت رائحته بالسلطة على مختلف المستويات، وعادة ترتبط رائحة البخور ودهن العود بارتداء البشت، والذي يعطي انطباعاً عن صاحبه أنه يتمتع بقدر من الأهمية، وأنه «واصل»، ويستوفي الشروط الاجتماعية التي تؤهله لدخول الدوائر المغلقة، وقبل ذلك أنه قادر على أخذ حقوقه وأكثر منها .
لكن ذلك يحتاج شيئا من التفصيل، لأن الزي في المجتمع السعودي له دلالات مدنية ودينية، ولا يخلو من إيحاءات السلطة التقليدية، ولم يأت ذلك عبثاً، فقد جاء بسبب الخصوصية السعودية التي جعلت من الزي التقليدي المكون من الثوب الأبيض والغترة أو الشماغ والعقال رمزاً للهوية الوطنية، وتستوجب ارتداءها في صورة البطاقة المدنية، لذلك يحرص الرجال المواطنون على الظهور فيه في مختلف المناسبات، وينفرد الرجل بزي المواطنة الرسمي، في حين تختفي المرأة عن تلك العلاقة الرمزية خلف ستار من السواد، وفي ذلك إيحاء لغيابها التام عن فصول مسرح السلطة وأبطاله الذكور.
يحرص الحاصلون الجدد من الذكور على الجنسية السعودية من خلفيات ثقافية مختلفة على ارتداء الثوب الأبيض والشماغ والعقال، والتدرب على الظهور في هيئة قريبة من درجة إتقان المواطن في التحكم مع مكوناته الثلاث..، وقد يحتاج المنتمي الجديد إلى سنوات إلى الوصول إلى حالة «تنسيف الشماغ» أو «بنت البكار»، والتي تعني الوصول إلى درجة عالية من إظهار الانتماء الخالص للأرض، وتظل تشخيصة المسؤول الأكثر تكلفاً والأسهل في نفس الوقت، وهي أن يُسدل الشماغ في هيئة مستقيمة ومتوازية على جانبي الوجه، ثم تُثبت بأطراف البشت.
تظهر الشخصية الدينية كاستثناء عن تلك القاعدة، وذلك لاختلاف رمزيتها، وتبدو في صورة غير منتظمة على الإطلاق، ومن مظاهرها الشائعة طريقة لبس الشماغ بطريقة غير مستوية، وتحرص أن تكون هيئتها قديمة ومستعملة وغير منضبطة بعقال يحد من عدم استواء الشماغ بشكل متساوٍ على الجانبين، كذلك تغالي الشخصية الدينية أحياناً في إظهار الاختلاف عن الشخصية المدنية، ويبرز ذلك في تقصير الثوب إلى مستويات أعلى بكثير من حد الكعبين، وإلى درجة تظهر فيها الساق في هيئتها الطبيعية كاملة، وعادة يتناسب قصر الثوب مع درجة المحافظة، وأحياناً مع مستويات التطرف .
تحظى أزياء «التشخيصة» الدينية بانتشار خارج الحدود، وتحاول بعض الشخصيات الدينية المحافظة جداً في ماليزيا أو أندونيسيا أو الفلبين وغيرهم من البلدان أن تظهر في الإعلام بالشماغ الأحمر «المعفوس» بدون عقال ، وذلك لإعطاء رمزية لانتمائها للتيار السلفي السعودي المحافظ، وفي ذلك إيحاء إلى أن تلك الشخصية تنتمي إلى دوائر أكبر من حدود الوطن ، بينما يختلف ذلك الزي عند الشخصيات الدينية التي قررت الخروج عن طاعة المرجعية السلفية التقليدية، كما هو الحال عند رموز القاعدة والذين اختاروا العمامة كرمز لإعلان الاختلاف، كذلك تستخدم بعض الشخصيات المدنية العمامة في بعض المناطق لإظهار الاختلاف الرمزي عن الشخصية الرسمية المدنية.
توجد طبقة متداخلة بين الشخصية الدينية والشخصية المدنية، ومنها تلك التي تحولت من الهيئة الدينية إلى الهيئة المدنية بالتدرج أو العكس، وعادة يظهر في ذلك الانتقال من جانب إلى آخر تداخل بين أزياء وهيئة الشخصيتين، مثل أن تكون لحية الرجل غير مهذبة، و لكن يضع عقالاً ويلبس شماغاً «مكوياً»، ولكن مع مرور الوقت يتم تهذيب الهيئة لتتناسب مع الرمزية المدنية، ويتم التخلص من مظاهر الشخصية الدينية ببطء شديد، وذلك حتى لا يفقد أتباعه، أيضاً يحدث التحول من الشخصية المدنية إلى الدينية بتدرج وتغيرات متعاقبة من أهمها إطلاق اللحية وتقصير الثوب، إلى أن يصل إلى إظهار الهيئه الدينية بشكل كامل.
ختاماً قد تبوح الأزياء التقليدية عن مظاهر وأساليب السلطة في المجتمع، وربما لا نحتاج إلى تعريفها، لكن مع ذلك تعرّف الثقافة المحلية ذلك التمايز والاختلافات بالألقاب أيضاً، مثل أن يُقال صاحب الفضيلة أو فضيلة الشيخ عند الحديث عن شخصية دينية لها علاقة بالبنية السلطوية في المجتمع، برغم من أن السلف لم يستخدموا الألقاب للتعريف بفضلهم، فيُقال على سبيل المثال عن عمر رضي الله عنه و علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهكذا بدون ألقاب ومراتب، كذلك تُستخدم ألقاب الجاه والرفعة عند التعريف ببعض الشخصيات المدنية الرسمية والسلطوية، وذلك لتمييز قدرها الاجتماعي عن بقية الناس..