الشخصية التي أقصدها هنا لا تعني بحال الشكل الخارجي للمسئول، فأغلب الناس لا يهمهم بشته أو « مشلحه» وكم قيمته وما لونه؟ ولا يبحثون في كمية القصب المذهب الذي يحيط به، ولا تجذبهم رائحة عطره ونوعيته، ولا طريقة تفصيل ثيابه ومشيته والسيارة التي يركبها، كلها مظاهر خارجية مطلوبة لكنها ليست على درجة كبيرة من الأهمية، مظاهر تغري البسطاء والمغرقين في السطحية وتعميهم عن الحقائق وتحجب عيونهم عن السلبيات.
من تهمهم غالبا المصلحة العامة يبحثون في قدرات من يتولى سدة المسئولية وطموحاته وامتلاكه للكاريزما القيادية التي تمنحه القبول من الناس وتعطيه خاصية التأثير، وهي جماع صفاته الشخصية الانسانية من حكمة وروية وتواضع وعدل وإنصاف وإخلاص وحب للناس واهتمام بهم وبقضاء حوائجهم، وتفان ومبادرة ومرونة وجرأة في اتخاذ القرارات وتغليب للمصلحة العامة على المصلحة الشخصية اضافة للعلم والمعرفة والقدرة على تكوين منظومة العلاقات الواسعة مع كل الناس والأطياف.
هذا التشكيل من المقومات إذا لم يتوافر في شخصية القائد المسئول فلن يفلح ولو مكث سنوات طويلة في تحقيق طموحات الناس. صحيح أن المقومات الشخصية لا تكفي إذ لابد من الكفاءة في التخصص والخبرة في مجال العمل لكن هناك من يرى أن تميز شخص ما في تخصصه كاف جداً كي يقود المؤسسة العامة، وهذا غير صحيح إذ لابد من الكاريزما وهي موهبة تجمع بين الجذب والتأثير، يضاف لها تمكنه من أساليب الإدارة الحديثة. لايمكن لمسئول لم يحدد لمؤسسته رؤية استشرافية مستقبلية العبور بها لبر الأمان، ولذلك فتش عن شخصية سعادته في أول يوم يتولى فيه الوزارة، وما مضمون إجابته عن السؤال الذي يتردد كثيراً وهو عن رؤيته المستقبلية!
إن كانت إجابته واضحة ومحددة، وأنه قد كون رؤية شاملة سيحققها خلال السنوات القادمة إن كان في مجال الطرق بتنفيذ ما لا يقل عن خمسة آلاف كيلو، وإن كان في مجال التعليم بالتخلص من جميع المباني المستأجرة وإن كان في مجال الصحة بتأمين العلاج لكل مواطن، وفي الإسكان بتقليل نسبة المستأجرين وهكذا، هنا فقط تعرف أن هذا القادم لديه نظرة تستحق التقدير والمساندة، أما من يلف ويدور ويعلل الأمر بأنه جديد ويحتاج لمزيد من الوقت، أو أن الأمور غير واضحة أمامه فعليك أن تدرك جيدا بأن هذه النوعية ستهدر كل الوقت ثم تبدأ بعد سنوات بالتبرير وتعليق الأخطاء على الأنظمة واللوائح وعدم اعتماد الميزانيات الكافية رغم أن الدولة قد ضخت في خزينة مؤسسته المليارات لكنه لم يعرف كيف يوظفها بشكل صحيح.
ليس شرطاً أن يكون المسئول مبدعا في تخصصه كي يقود الوزارة لبر الأمان، إذ لابد من قدرات شخصية وإدارية عالية يساندها التخصص إن أمكن مع أفضلية أن تكون خبراته في نفس المنظومة الادارية التي يعمل بها كي يختصر الوقت إذ سيكون حينها محيطاً بكل تفاصيلها.
المسؤول بمواصفات القائد ليس نادرا، ومهارة أصحاب القرار في البحث عن مثل هذه النوعيات المنتجة والمبدعة والخلاقة لا تكليف من يتحولون مع الأيام إلى أعباء ثقيلة على المناصب وعلى قلوب الناس.