لقد هيّأ الله لبلادنا - ولله الحمد - قيادة واعية مخلصة، تدرك واجباتها ومسؤولياتها نحو الوطن، وتحرص على أن تكون له مكانته اللائقة به بين الأمم المتحضّرة، فاتخذت من التعليم سبيلاً لرفعة شأنه وتحقيق نهضته وانطلاقته نحو المستقبل، إيمانًا منها بأن التعليم هو المدخل الحقيقي الفاعل لبناء الإنسان، وهو الطريق الأقصر والأجدى لتحقيق أي تنمية شاملة ومتوازنة، تحقق للوطن نموّه وللمواطن سعادته ورخائه.
وقد شهد التعليم في المملكة خلال العقود الماضية من الزمن انتشارًا غطىّ مختلف أنحاء البلاد، بصورة لم يشهدها التعليم في كثير من بلدان العالم من حولنا، ولسنا هنا نحاول إقامة الدليل على ذلك، فهذا واقع يشهد به القاصي والداني، غير أن التعليم في بلادنا لا يزال ينتظر انطلاقة نوعية حقيقية تتناسب مع تلك القفزة الكميّة التي يسجلها تاريخ التعليم في المملكة، أقول ذلك من واقع معايشتي للتعليم في مواقع المسؤولية المختلفة، سواء من خلال عملي بوزارة المعارف (التربية والتعليم الآن) أو كمواطن يتابع مسيرة التعليم في بلاده، ويتطلّع إلى أن يصبح تعليمنا في واقعه وتطوّره على قدم المساواة مع غيره في الدول المتقدمة، إن لم يستطع أن يفوقها بحكم ما نمتلكه من مقومات وإمكانات التقدم والتفوق والتميز، وليس ذلك بعزيزٍٍ أو بعيد المنال، بفضل الله ثم بما توليه القيادة الواعية - أيدها الله - للتعليم من عناية فائقة، برزت جليّة واضحة خلال هذه الأيام في تعيين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وزيرًا للتربية والتعليم.
وكلّنا يعرف من هو خالد الفيصل، الذي استطاع أن يجعل من مؤسسة الفكر العربي مؤسسة لكل العرب، فجمع بمهارة فائقة أطياف الفكر العربي ليجلسوا ويتشاوروا في كثيرٍ من قضايا الفكر المعاصر، واستطاع بحنكته أن يجعل قضايا التربية والتعليم حاضرة وبشدة في مؤتمراتهم، إيمانا منه بأن التعليم والبحث العلمي هما حجر الزاوية في أي مشروع للنهضة العربية، ولذلك فقد حرص على أن يثري بآرائه وأفكاره مناقشات مؤسسة الفكر بما يعزِّز دور التعليم في خدمة قضايا التنمية البشرية، التي نحن أحوج ما يكون إلى استدامتها واستمرارها حيث ترتبط التنمية ارتباطًا وثيقًا بحياة الإنسان وسعادته في الحاضر والمستقبل.
وبمثل هذا الفكر الاستراتيجي المستنير الذي يتّصف به سموه، وإدراكه الواعي لقضايا التنمية البشرية وارتباطها الوثيق بالتربية والتعليم، فإننا نتطلع إلى أن تعيينه لقيادة وزارة التربية والتعليم سيحقق لها - بعون الله - انطلاقة نوعية في أدائها، تضيف الجديد والمتميِّز إلى مسيراتها المتتالية السابقة، وتضع حلولاً حاسمة للمشكلات التي تعترض الانطلاقة التعليمية التي يرجوها الجميع.
ومشكلات التعليم في المملكة لا تخفى على أحد، ونتاجها في سوق العمل خير شاهد، والبطالة المتزايدة بين الشباب والشابات أنصع دليل، وهنا نتذكّر أنه منذ سنوات طويلة اتجهت الوزارة إلى تطوير التعليم الثانوي بغرض إعداد الطلاب للجامعات، لمن أراد منهم أن يلتحق بالتعليم العالي.
وفي الوقت نفسه تعمل على توفير المناهج والمقررات المناسبة، لتهيئة مَن يريد منهم الالتحاق بسوق العمل، ولنا أن نتساءل : هل تحقَّق لنا ذلك منذ تجربتنا مع ما سميناه بالمدرسة الشاملة؟ أو مع نظام التعليم الثانوي المطوَّر؟ لعلَّ المسؤولين في القطاعين الحكومي والأهلي يجيبون عن ذلك من واقع ما يرونه من تدنِّي مهارات وخبرات مَن يترددون عليهم لطلب الوظائف . ولعل مراكز ودورات إعادة التأهيل والتدريب تسعفهم أيضاً في الإجابة التي ستكون غير إيجابية.
وحتى لا تخطئ بوصلة إعداد الطلاب للمستقبل داخل الوزارة، ويتم التركيز على طلاب المرحلة الثانوية فقط، فإن السنوات الأولى من تعليم الأجيال بدءًا من رياض الأطفال، تحتاج إلى جهود الوزير الفيصل، وإلى فكره المستنير، فهذه السنوات تمثِّل اللبنات الأولى في بناء شخصية الطفل، وهي السنوات الأساسية التي يتكوَّن فيها فكر أطفالنا، ويتأسس عليها وجدانهم وهم أغصان خضراء، ومتى استقام الغصن.
صغيرًا استقام العود كبيرًا، وأينعت أوراقه، وكانت ثماره حلوة المذاق، لا يؤثِّر فيها فكرٌ دخيل حاقد، أو تشوبها شائبةٌ من تطرّف ممقوت يقف عائقًا أمام حياة مستقبلية زاهرة.
وإذا كان إعداد الأجيال للمستقبل يحتاج إلى فكر سديد، فإن فنَّ إدارة العملية التعليمية بكل عناصرها ومُدخلاتها يظلّ في حاجة أيضاً إلى ما هو معروف عن الأمير الهمام من وقوفه على مشكلات الشباب ومعايشته لتطلعاتهم، بجانب ما يتحلَّى به سموُّه في ميدان القيادة الحازمة الحكيمة، التي قاد بها مسيرة النهضة الشاملة في منطقة عسير، وأتبعها بمكة المكرمة - عمَّرها الله وزادها شرفًا ـ مما يجعلنا نتطلَّع أيضاً إلى أن تجد مشكلات التعليم، والموضوعات المعلَّقة في ميادينه المختلفة حلولاً حاسمة، فالمعلم ينتظر مَن يخفِّف عنه الأعباء، والمعلِّمات طال انتظارهن للتقاعد المبكر، الذي يفتح للمعلمة المجال لتسهم في رعاية أسرتها وأبنائها، ويوفر فرصًا وظيفية جديدة تستوعب أعدادًا ممن يبحثون عن العمل وطال انتظارهم لها لسنوات، وما دمنا نتحدث عن بعض تطلعات المعلمين والمعلمات فإن احترامهم وتقديرهم، وثقافة تقدير المجتمع لدورهم تحتاج إلى أن تكون على قائمة اهتمام وزارة التربية والتعليم، بل والمجتمع بأسره، لتعود للمعلم قيمته الاجتماعية التي فقدها مع كثير من التعاميم الإدارية والأعباء التي تقع على كاهله، واستشراء ظاهرة الدروس الخصوصية من غير حل حاسم لها .
وهذه مدارسنا تتطلع إلى أن يقيم المسؤولون في الوزارة علاقات وطيدة معها، تسودها الثقة في إطار من اللامركزية التي تعطي مديري الإدارات ومديري المدارس القدرة على إدارة العملية التعليمية وفق التطورات والمتغيرات، وبما لا يتعارض مع مبادئ وأهداف سياسة التعليم في المملكة.
وإن كان ما سبق يمثِّل أملاً مما نتطلع إليه، فإننا على ثقة من أن قيادتنا الحكيمة - يحفظها الله - قد اختارت الرجل المناسب للمكان المناسب وفي الوقت المناسب، ليبدأ التعليم في المملكة مرحلة انطلاقة جديدة، يخطُّ ملامحها الزاهية، ويرسم صورتها المشرقة، خالد الفيصل الذي عرفناه مبدعًا في فكره وإدارته وقيادته، ندعو الله أن يعينه على أداء هذه الأمانة التي هو أهل لها، وأن يجعل المسؤولين في الوزارة على قدر همّته وطموحه وإبداعه.