من يتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي يدرك ما ينتشر فيها من شتائم، وبذاءات، وإهانات عنصرية، وقذف علني، بل وصل الأمر إلى أن يرتكب مثل هذه الأفعال المسيئة أشخاص يصرحون بأسمائهم علناً، ولا يتخفّون تحت أسماء وهمية كما كانوا سابقاً، وكأنهم يرددون لمن يهدد بالقضاء «ما أطولك يا ليل»، حاملين اليقين بأنّ القضاء لم يستطع أن ينهي قضايا معلّقة بين أشخاص حقيقيين، يجلسون أمام بعضهم في المحاكم لساعات وساعات، في جلسات متتالية، فكيف بشتائم واتهامات على الإنترنت؟
كثير من هؤلاء كانوا يعتقدون أنّ المحاكم عموماً بعيدة عن الإنترنت وجرائمه الإلكترونية، بل قد لا يعرف كثير من القضاة أصلاً هذه التقنية، وهم الذين كانوا يكتبون الصكوك بالخط اليدوي الجميل.. لكن ما حدث للمحامي العصفور وكيل الفنانة الكويتية «شمس» من الظفر بصدور حكم قضائي بتطبيق حد القذف، ثمانين جلدة أمام الملأ وسجن وغرامة، ضد شاب سعودي قذف الفنانة من حسابه في تويتر، واتهمهما بنشر صور مفبركة لها، جعل الجميع، سواء ممن يتعرض في مواقع التواصل الاجتماعي إلى القذف، أو ممن يمارس مثل هذا الفعل برعونة، وعدم تقدير للنتائج، يتوقفون طويلاً أمام كل كلمة يكتبونها، ويراجعون أنفسهم مراراً قبل التفوُّه بأي ألفاظ مؤذية أو اتهامات باطلة.
نعم، كنا منذ سنوات نحتاج إلى نظام قضائي صارم وجهد كبير، لتنظيم ما يحدث من فوضى عارمة في هذه المواقع، أو حتى على مستوى الواقع، والحقوق المهدرة فيه.. فكلنا نتذكّر أنّ من يطالب بحقوقه المالية مع الآخرين لا يجد نتيجة تذكر، وكانت المحاكم تبحث دائماً عن حل التراضي بين الطرفين، دون تقدير للضرر الذي يلحق بصاحب الحق الذي يتعرض للمماطلة، وكنا ندرك أنّ المحاكم تحيل موضوعات الحقوق إلى الشرطة، وتمضي الأشهر والسنوات دون حضور من يكتب شيكاً بلا رصيد، على سبيل المثال، أما الآن فقد أصبحت المحاكم تنفذ، بل وحينما لا يجيب الهارب من العدالة على الاتصالات، يتم نشر إعلان صحفي بواسطة دائرة التنفيذ بالمحكمة العامة، تلزم المتهم بالمماطلة بإنفاذ الشيك الصادر بتوقيعه، وتمنحه خمسة أيام من نشر الإعلان، وإلا سيتم اتخاذ الإجراءات المقررة في نظام التنفيذ.
كثير من القضايا الحقوقية نُشر عنها في الصحف، وتم فيها إلزام المتهاون في دفع حقوق الآخرين، بصرف النظر عن الأسماء، والصفات، والمكانة الاجتماعية، وهذه الخطوات المتميزة في إنصاف أصحاب الحقوق، سواء من تعرضوا للسب والقذف، أو من ضاعت أموالهم بسبب تخاذل الآخرين، هي خطوات مهمة للغاية، فلا يعادل الشعور بالعدالة، وبسيادة القانون والنظام، أي شعور آخر، لأنّ اليقين بأنّ حق المواطن والمقيم محفوظ ومحافظ عليه، هو جزء من الشعور بالأمان والطمأنينة.
ولعل قضية الفنانة شمس لفتت الانتباه إليها أكثر من غيرها، أنّ لها جانبان، الأول أنها قضية إلكترونية، والثاني أنّ المتضرر هو من جنسية غير سعودية ولا يقيم في السعودية، وربما الجانب الثالث الذي لا يحب أن يشير إليه أحد، هو أنها مطربة، وفي الوعي الجمعي لدينا، أنّ القضاء قد يتهاون في حقوق المطربين أو الممثلين ومن في حكمهم، لكن القضاء النزيه يقيم العدالة للجميع بصرف النظر عن اسم المتضرر وجنسه وجنسيته ولونه ومهنته و... إلخ.