إن تأثير العقل الباطن على العقل الواعي شيء مدهش. إلى حد كبير لا يزال هذا المجال في بدايته، بل - مقارنة ببقية العلوم - لم يُدرَس بعد. عندما تذهب للصيدلية لتشتري دواءً، سواء كان مسكّناً عادياً أو دواءً آخر، فقد تلاحظ أن هناك بدائل أرخص لهذا الدواء، أي أدوية أخرى لها المكونات نفس غير أنها من علامة تجارية أخرى، ولا يقنعك كلام الصيدلي بأن الدواء الأغلى الذي تبحث عنه له الخصائص نفسها تماماً التي في الأرخص، الذي صُنع في دولة أخرى. هذا التوجُّه ليس غريباً تماماً بل البشر يسهل خداعهم من هذه الناحية، والتجارب تُثبت هذا؛ فهناك ما يُسمَّى بالأدوية الوهمية، وهي حبوب لا تحوي أي مواد دوائية، إنما تحوي أشياء عادية كالسكر، غير أن من يأكلها لا يعرف أنها دواء وهمي، فإذا أكل الدواء كثيراً ما يشعر هذا الشخص بالتحسُّن!
وهذا من تأثير العقل الباطن على الواعي، فالباطن هو العقل الذي يعمل في الخلف، ويتحكم في وظائف الجسم، والواعي هو الذي تشعر به وتفكر به، لكن قدرة الباطن أعظم. إنما الغريب أن الباطن يتبع الواعي، فإذا صدّق العقل الواعي شيئاً صدّقه الباطن، وبدأ يحوّله إلى واقع؛ لهذا قيل إن من تمارض مرض، وهذه لها نصيب من الصحة، فإذا أخذ شخص يعرج وهو سليم أو يضع يده على بطنه ويتظاهر بالألم فقد تظهر هذه الآلام فعلاً عليه، وما هذا إلا إثبات لقوة العقل الباطن، غير أنه يُستخدم في الخير كذلك، فكما رأينا أعلاه يستطيع العقل الباطن إزالة الألم بمجرد أن يأكل الشخص حبة يظنها دواء (وليست دواء)، فيُصدِّق العقل الباطن هذا، ويبدأ في تحسين حاله!
من التجارب الحديثة التي أظهرت هذا تجربة صنعها الخبير دان أريلي عام 2008م من جامعة دوك الأمريكية، فقد تلقّى المتطوعون صدمات كهربائية مؤلمة، وبعدها مباشرة استلموا دعايات لأدوية تزيل الألم، فأما بعضهم فاختاروا دواءً قيمته 10 سنتات أمريكية (ما يعادل نصف ريال تقريباً)، وبعد أكله قال 61 % منهم إنهم شعروا بتحسُّن وزوال للألم، أما من اختاروا الدواء الأعلى الذي سعره 2.5 دولار (قرابة 10 ريالات) فقد أظهروا شيئاً مدهشاً؛ إذ قالت الأغلبية بنسبة 85 % إنهم شعروا بالألم يزول! وكلا الفريقين لا فرق بينهما إلا أن الثاني اختار الدواء الأغلى، وكلا الدواءان وهْميّ، وعبارة عن حبوب لا دواء فيها! وإنما توهَّم آكل الدواء الأغلى أن الدواء أفضل، وأن الشفاء أقرب إذا كان السعر أعلى، وصدّق العقل الباطن هذا، وحوَّله إلى حقيقة. ما أغرب العقل البشري!