يعد العمل التطوعي في الإسلام ركيزة أساسية في بناء علاقة الفرد المسلم بأخيه المسلم وعلاقة المسلم بمجتمعه، حيث اهتمت الشريعة الإسلامية بالحث عليه كرسالة سامية قوامها هو التكافل والتراحم بين أفراد المجتمع، وتزايدت الحاجة للعمل التطوعي في العصر الحديث مع التزايد المستمر في أعداد السكان وانتشار مشكلات الفقر والبطالة والمجاعة، إضافة لما خلفته الحروب والكوارث الطبيعية.
يعد العمل التطوعي وحجم الانصهار فيه رمزاً من رموز تقدم الأمم وازدهارها، فكلما ازداد التقدم والرقي ازداد انخراط مواطنيها في أعمال التطوع الخيري، كما يعد هذا الانخراط مطلباً من متطلبات الحياة المعاصرة وحاجة ملحة لمواكبة التنمية والتطور السريع في كافة مجالات الحياة.
فالعمل التطوعي هو عبارة عن «مبادرة الفرد اختيارياً بوقته وجهده وماله وفكره أيضاً عن رضا وقناعة تامة لتحقيق أهداف تخدم دينه، وذلك لتنمية شخصه ومجتمعه في مجالات متعددة بقصد الإسهام في مصالح اجتماعية جائزة شرعاً».
والمتطوع هو الشخص الذي يسخر نفسه طواعية دون إكراه أو ضغوط خارجية لمساعدة ومؤازرة الآخرين إحساساً منه بالمسؤولية الاجتماعية نحو هذا المجتمع.
كما أن العمل التطوعي وعمل الخير والبذل في سبيل الله سواء بالمال أو الجهد أو القول أو العمل ظاهرة اجتماعية صحية تحقق الترابط والتآلف والتآخي بين أفراد المجتمع وتقوي أواصر الألفة والرحمة، كما أن القيم الدينية المتجذرة والمتعمقة في الفرد المسلم ساعدت في تعميق روح العمل التطوعي، فكل إنسان - ذكراً كان أو أنثى- مطالب بعمل الخير بما يتناسب مع قدراته الجسمية والفكرية انطلاقاً من قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} صدق الله العظيم، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
جميع ما سبق من الآيات والأحاديث تعتبر المدخل الذي ولج منه العمل التطوعي من الحياة الاجتماعية للحياة الإسلامية، وأصبح جزءاً لا يتجزأ منها، فجميع أشكال العون والصدقات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتداخل بشكل أو بآخر في العمل التطوعي.
فالعمل التطوعي من أهم الأعمال التي يجب أن يُعتنى بها، فعمل الخير باب واسع بشرط أن يكون العمل خالصاً لوجه الله، وان ينبثق من نفس تواقة لفعل الخير بعيدة كل البعد عن المن والأذى، ويكون الغرض منه هو إصلاح هذا المجتمع.
فالسعي مع ضعاف المسلمين في هذا الزمن أصبح من الحقوق الواجبة على المسلم؛ لأن البعض تتقطع بهم السبل وتضيق عليهم الأرض بما رحبت، ويحتاجون إلى من يعينهم ويقضي حوائجهم ويدخل عليهم السرور.
ومما ينبغي الالتفات له أن للعمل التطوعي أبعاداً وجذوراً إنسانية مشتركة تتعلق بالفطرة الإنسانية، تعتمد في ذلك على عاطفة الرحمة والشفقة.
لكن توجد معوقات مجتمعية وهي عدم الوعي الكافي بين أفراد المجتمع بأهمية التطوع والأهداف التي يسعى لتحقيقها، فثقافة التطوع متدنية بشكل كبير في بعض المجتمعات العربية.
وللأسف عند تقييد هذه المشاركة الاجتماعية يضيف المزيد من تعطيل الطاقات الكامنة وزيادة لعدد المشكلات في تلك المجتمعات، مما يؤدي سلباً للفراغ والعبث وتفشي الجريمة.
لكن على العكس تماماً فتح باب التطوع لكافة الفئات يساهم في توفير فرص خدمة اجتماعية تقدم بشكل طوعي من خلال جمعيات ومنظمات متخصصة، تستقطب تلك الفئات المتطوعة والقيام بتدريبها وتأهيلها وتهيئتها للانخراط في الخدمات التطوعية ليعم نفعها الفرد ومن ثم المجتمع ككل.
فنحن بحاجة ماسة إلى تسليط الضوء حول مفهوم التطوع ودعم أعمال المتطوعين وتوسيع دائرة مؤسسات المجتمع المدني كماً ونوعاً وتشجيعهم لبذل المزيد.
وبدوري أبادر من هذا المنبر الحر لمناشدة أفراد المجتمع ككل بتفعيل حس المسؤولية الاجتماعية ابتداء من أكبر منظمة في المجتمع وصولاً لأصغرها وهي الأسرة، ولتحقيق ذلك لابد أن ينهض الفكر التطوعي في جميع فئات المجتمع صغيراً وكبيراً، وأن ينصهر تعليم مفهوم العمل التطوعي ضمن مفاهيم التربية الأسرية داخل البيوت وتربية الأبناء على هذه المفاهيم السامية منذ الصغر، ليس ذلك فقط، بل وأن نحبب ونؤصل فيهم خصال عمل الخير دون انتظار أي مقابل، ولا نرمي اللوم على عاتق فرد أو جهة معينة، فلنبدأ بهذا التغيير من أنفسنا وداخل مجتمعنا الصغير الأسري ليعم النفع بعد ذلك المجتمع الأكبر وهو الوطن.