غيّب الموت والدته عند ولادته فخلف الله عليه بأم لم تلده، وكانت رحمها الله تغدق عليه وعلى والده رحمه الله فيضاً من المحبة والحنان. كانت عوناً لوالده وساعداً أيمن منذ صغره، وعند بلوغه الثانية عشر من العمر رحل من قريته الصغيرة والوادعة إلى مدينة الرياض الآخذة في التمدد والتطور ليلتحق بمدرسة اللاسلكي، تخرج منها بعد سنتين وتم تعيينه على وظيفة مأمور ميرقه في شمال المملكة. بعد فترة وجيزة من اغترابه اشتاق له ذلك الشيخ الوقور، فطفق يسأل ويبحث عنه ليلتئم شمل الأب بابنه في مركز حدودي يدعى (سماح) يبعد عن مدينة حفر الباطن بضعة عشرات من الكليومترات، ليجد المكان مناسباً لممارسة التجارة، فيعود بعد أشهر ليحضر زوجته ويستقر عند ابنه. مرت السنوات سريعاً ليتزوج الابن ويحضر زوجته إلى مقر عمله. قرر بعد سنوات أن يستقيل من الوظيفة لينتقل إلى مدينة حفر الباطن ويبدأ في ممارسة العمل في ميدان بيع وشراء السيارات. أحبه الناس وألفوه لدماثة خلقه وحسن معاشرته وصدق أقواله وصفاء نيته وحبه لمد يد العون للآخرين، وكان الكثيرون يتباركون بشراء السيارات من عنده حيث يجنون منها فوائد ومصالح كثيرة، وكان يمهل المعسرين ويعينهم على نوائب الدهر ويساعد الفقراء والمساكين فبارك الله له في رزقه خاصة أن بره بوالده مشهود له، جاءت حرب تحرير الكويت فمد يده بسخاء للدولة بما لديه من سيارات لنقل العتاد والمؤن، ولم تقصر الدولة بل قدمت له ولأمثاله العون المادي والمعنوي وأجزلت لهم العطاء، فنما ماله وساعده أبناؤه ودخل ميدان تجارة الأراضي واستثمارها وتوسعت أملاكه ولم يؤثر ذلك عليه إلا زيادة في بذل الخير والمعروف ومساعدة الفقراء والمعسرين وبناء دور العبادة ومدارس تحفيظ القرآن الكريم للجنسين، والتبرع بسخاء للأيتام وذوي الحاجات وإيقاف الثمين من أملاكه لهذه الفئات، وكم من جامع قام ببنائه في مدينة حفر الباطن وفي مدينة الرياض بعد أن عاد إليها بعد سنوات من العمل الشاق ومكابدة الدنيا، وكم من فقير وكم من يتيم وكم من تال لكتاب الله وكم من مسجد يذكره فيشكره ويدعو له ولداً لديه ويحن إليه بل ويبكيه، وقد دبجت العديد من القصائد ممن رأوا الطيبة في عينيه وفي روحه الشفافة وقلبه الرقيق والرحيم من جميع من عرفوه وعايشوه وأحبوه، فكثيرون قضى حاجاتهم وواساهم وشد أزرهم وأعانهم على نوائب الدهر، ولهذه الأسباب وغيرها اخترت قصيدة قصيرة قالها شاعر شاب مجيد -2ممن يؤمون جامعه والذي بحق يعتبر أكبر جامع في مدينة حفر الباطن مكون من طابقين ويتسع لأكثر من أربعة آلاف مصل، يؤمه شيخ فاضل محبوب كما يحتوي الجامع على مكتبة وتقام به دورات تحفيظ للقرآن وأقيم بجواره دار لتحفيظ القرآن للنساء، كما أنشأ حديثاً داراً مماثلة للشباب مزودة بغرف اعتكاف فردية مزودة بكل ما ييسر للمعتكفين اعتكافهم من منامات راقية ودورات مياه مستقلة، ونظراً لصدق ما ورد في القصيدة وحيث إنها تعبر أصدق تعبير عن هذا الإنسان الأنموذج، أحببت أن أوردها برفق هذه المقالة القصيرة لعل من يقرأ هذا الكلام وهذه القصيدة يستنير قلبه ويسترشد بها إلى سلوك سبيل من إذا أغدق الله عليهم نعمه قدّر شكر ربه وأفاض مما أعطاه الله على بعض من عباده ممن يستحقون العون، وأعتقد جازماً أن الله قد بارك له في ماله وأبنائه لأن قلبه خال من الغل والحسد ولحبه لفعل الخير والإحسان ولبره العظيم بوالده، ودعاء ذاك الشيخ العابد الزاهد له في جوف الليل وفي أوقات الإجابة، حتى أنه ان يردد أن يجعل الله يومه قبل يوم ابنه، أمد الله في عمره وبارك فيه وشفاه وأسعدنا جميعاً بالبقاء بجواره في الدنيا وجمعنا يوم يحين موعد أجلنا في جنة عرضها السموات والأرض في الفردوس الأعلى منها مع والدينا وجميع أحبتنا والمسلمين.
وبعد فهذا قليل من كثير لا تسعفني الكلمات بتسطيره في حق الخال العزيز والغالي عبدالله بن حسن العسكر، شفاه الله ومد في عمره على طاعة الرحمن وكتب أجوره، فقد مات والده وهو راضٍ عنه تمام الرضى.
حفظ الله أبا فهد، فكم من خلق كثيرين يملكون أكثر منه وحرموا البر بوالديهم ولم يبنوا مسجداً لله ولو كمفحص قطاة.
** ** **
1 - استعرت بعض ترويسة هذا المقال من قصيدة قالها الشاعر الشاب وقريب العائلة محمد بن عبد العزيز الشبانة متعه الله بالصحة والعافية.
2 - القصيدة العصماء والتي كتبها الشاعر الشاب المفوه فهيد بن مطلق المطيري مرفقة للاعتبار!