تنبع أهمية البحث العلمي في كونه يعد ركيزة أساسية لتقدم الأمم وحضارتها، فالأمم المتقدمة هيأت للبحث العلمي أجواء مناخية ملائمة، ورصدت ميزانيات هائلة له، فالولايات المتحدة الأمريكية تطرح في السنة الواحدة مئات آلاف البحوث والاختراعات العلمية، تليها في ذلك إسرائيل حيث تطرح ضعف ما يطرحه العالم العربي مجتمعا خمسة أضعاف في السنة الواحدة.
وإن دل ذلك فهو يدل على تدني قيمة البحوث العلمية ومستواها في العالم العربي أجمع، أما الأمم المتقدمة فحققت مستويات رفيعة في جميع المجالات إيمانا منها بالدور الذي يضطلع به البحث العلمي في كونه منبع الحضارة، فشعت بالنور والتقدم، وسابقت الريح بافتتاح المشاريع العلمية، والاختراعات، والمتاحف، والمكتبات، والمختبرات.
أما مكتباتنا فمازالت تئن بافتقارها للكتب العلمية التخصصية، وشح المعلومات المقدمة فيها. نحن لدينا العقول المفكرة، لدينا القدرات الإبداعية الخلاّقة، لدينا حلم كبير وهدف نبيل نسعى لتحقيقه..الوطن ينادي هممنا وعقولنا، وفي البعيد يلوح نور في الأفق يداعب طموحاتنا العلمية.
لذا اقترح إقامة مركز بحثي متقدم تضاهي المراكز البحثية في الغرب، كوادي السليكون، ومركز سيرن، يدعى إليه أفضل الخبراء المتخصصين في مجال البحوث العلمية، والدراسات الإعلامية، وفي مجالات علمية أخرى، ويكون هنالك عدد كبير من المتدربين والمتدربات، يتدربون بكل ما يخص البحث العلمي من الألف إلى الياء.
بدءا من اختيار وتلمس الظاهرة محل الدراسة بمزيد من التدقيق والتمحيص، والطريقة الأمثل لجمع مصادر المعلومات والمراجع العلمية التي تحتوي على غنى معلوماتي كثيف ليكون البحث العلمي إضافة علمية جديدة، وليس مجرد تكرار، وهذه البداية التمهيدية.
بعد ذلك كيفية اختيار عنوان البحث، والتدرب على تحديد الإجراءات المنهجية للبحث، ومن ثم التمرن على صياغة محاور الدراسة وتحديدها، يليه التدرب على اختيار الصياغة الأفضل لكتابة الإطار النظري للدراسة من بين العديد من الصياغات، والتدرج في ذلك خطوة بخطوة، أيضا إشباع الموضوعات الملحة في البحث، والمحتاجة إلى مزيد من التفصيل والإمعان فيها، بالإضافة إلى تمرين الباحث على كيفية تكوين نظرة نقدية لما يطرح أمامه من آراء علمية متفاوتة من قبل الكُتّاب المتخصصين، وبناء قاعدة معرفية من جانب الباحث تخدمه عند طرح آرائه، كذلك تدريب الباحث على تحديد الإجراءات المنهجية في الإطار التطبيقي، وإيجاد مختبر يتوفر فيه أجهزة الذكاء الصناعي والعقول الصناعية، باستخدام خوارزميات رياضية تختبر صدق وثبات البيانات المقدمة، ومن ثم مدى دقة النتائج ومطابقتها للظاهرة المعاشة، يكون كل ذلك بإشراف الخبراء المتخصصين.
كما أقترح أن يكون هناك تدرج في المسميات..باحث مبتدئ، ثم باحث متقدم، إلى أن يصل إلى مستوى عالم، وأن تكون هناك رابطة بين العلماء العرب وعلماء الغرب.
وأن يُلحق بذلك مركزا يُعنى بترجمة آخر مستجدات البحوث العلمية الغربية، والبحوث الرصينة الأجنبية إلى اللغة العربية، وترجمة الدراسات العربية إلى اللغات الأخرى لاسيما الإنجليزية بحيث يكون هناك حراك بحثي علمي.
أما مسألة التمويل، لاشك أن هذا المشروع يستلزم ملايين الريالات إن لم نقل مليارات، حيث أرى أن يكون مشروعا وطنيا، يشارك فيه جميع أفراد الوطن بما تجود أنفسهم ..عدد تعدادهم بالملايين نسمة، فلو كل فرد تبرع بريال فقط، وبخمسة ريالات، فستتم تغطية تكاليف المشروع، وبالتالي سيشارك جميع أفراد الوطن في بناء صرح علمي كبير، وبداية حضارة مشرقة بإذن الله، وسيكون منّا وإلينا ..منّا إلى الشباب والفتيات ذوي الطاقات العالية، والهمم الرفيعة، والأحلام الكبيرة المخترعة.
علما أن حصد الثمار لن يكون آنيا، بعد كم من السنين ستكون القفزة هائلة بالعمل الدؤوب، والإخلاص، وكما قيل بداية الألف ميل خطوة واحدة.