علماء الاقتصاد والمعاصرون اعترفوا أن النظرية الإسلامية هي المحققة للسعادة أكد المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور زيد بن محمد الرماني أن النظام الاقتصادي الإسلامي يمتاز بالاتساع والشمول والعمق والمرونة، وقال: إن الإنسان المعاصر أيقن بعد فشل النظم الاقتصادية المختلفة أن المخرج والمنقذ هو الاقتصاد الإسلامي.. جاء ذلك في حوار مع د. الرماني وفيما يلي نصه:
* كيف يمكن للاقتصاد الإسلامي أن يعالج مشاكل المجتمع الاقتصادية وفق المنظور الإسلامي للحياة؟
- إن النظام الاقتصادي الإسلامي يمتاز إلى جانب الاتساع والشمول والعمق بالمرونة. ذلك أن الأحكام الاجتهادية في المجال الاقتصادي تتبع أحوال العصر وتنسجم مع ظروف البيئة وإمكانات البشر وطاقات الأمم وفق المستجدات والنوازل.
علماً بأن هذه الأحكام الفرعية المتجددة لا تخرج عن نطاق المبادئ العامة والأصول الكبرى للنظام الاقتصادي الإسلامي.
ومن خلال دراسة الاقتصاد الإسلامي أكثر فأكثر يكتشف الدارس والباحث أن الإسلام قادر على حَلّ جميع المشكلات واستئصال شتّى الأزمات التي تنخر في مجتمعاتنا الإسلامية.
إن دراسة الاقتصاد وفق المنظور الإسلامي تفيد أيما إفادة في فهمنا لكثير من القضايا التاريخية التي شوّه معظمها أقطاب الفكر الغربي وسدنة المذاهب الوضعية، لمقاصد وغايات خبيثة.
وإن كان بعض علماء الاقتصاد المعاصرين ومنهم جاك أوستري اعترفوا أخيراً بأن الاقتصاد الإسلامي هو النظام الذي يحقق للإنسان السعادة والكفاية.
إن دراسة الاقتصاد الإسلامي تبيّن بوضوح تام أن الإسلام وحده كفيل بإرساء دعائم العدالة الاجتماعية، بل إنه أكثر من ذلك يؤسس مجتمعاً متكافلاً يسعد فيه العاجز، والضعيف والأرملة والمسكين واليتيم.
لقد أيقن الإنسان المعاصر بعد فشل النظم الاقتصادية المختلفة أن المخرج والمنقذ هو الاقتصاد الإسلامي.
* يذكر بعض المتخصصين أن حجم الاقتصاد الإسلامي يصل إلى 4 تريليون دولار أمريكي ترى كيف يمكن صياغة مستقبل الاقتصاد الإسلامي؟
- لقد أيقن الإنسان المعاصر بعد فشل النظم الاقتصادية المختلفة أن المخرج والمنقذ هو الاقتصاد الإسلامي.
إذ إن عبودية الإنسان المعاصر للمادة هزت كيانه وجوهره وعكرت صفاء فطرته السليمة، فضلاً عن القيم الروحية والأخلاقية التي لا تستقيم الحياة إلا بها.
والنظام الاقتصادي الإسلامي يتميز بأنه صالح وشامل للحياة والأحياء، وذلك لقيمه النبيلة وأخلاقه السامية ودقته ومراعاته لأساليب الحياة والناس.
ولا غرو، فإن الاقتصاد في الإسلام فرع أصيل من فروع الشريعة الإسلامية السمحة الشاملة لكل الجوانب المادية والروحية، منهجاً وأخلاقاً، فكل ما اشتملت عليه من عبادات ومعاملات وحدود وفضائل إنما هو وسيلة لغاية كبرى، هي توحيد الله تعالى ثم البناء الأخلاقي المتكفل للبشرية، في منهج تشريعي رباني.
إن اقتصادنا الإسلامي اقتصاد فريد في نوعه، عريق في تاريخه، أصيل في ذاته، مستقل في تعاليمه، نسيج وحده، اقتصاد يقوم على تشريع رباني، اقتصاد يقوم على قواعد أساسية، اقتصاد متفرد بخصائص ذاتية.
وصدق الله عزَّ وجلَّ القائل سبحانه:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (153) سورة الأنعام.
) في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية المتسارعة يجد الاقتصاد الإسلامي نفسه في أمس الحاجة إلى وقفة جديدة يراجع فيها ما تم بناؤه من جوانب نظرية وتطبيقية، فعلى من تقع مسؤولية ذلك؟
- إن الاقتصاد الإسلامي مهم جداً، لكونه يتصل بأحد الجوانب الحيوية للحياة الإنسانية.
ولا عجب، إذ رأينا العلماء والمفكرين شرقاً وغرباً يولونه أهمية خاصة، دراسة وتحليلاً. فقد ربط المفكرون الاقتصاديون كثيراً من المشكلات والظواهر التي تعرفها البشرية بدولاب الاقتصاد.
وهذا يجعلنا نؤكد أن العلماء المسلمين مطالبون بتبصير أجيال الأمة الإسلامية بمعالم اقتصادنا الإسلامي.
وإن عدم القيام بهذا الواجب ينتج عنه أسوأ العواقب وعلى رأسها التبعية الفكرية والتقيد الأعمى لمذاهب الغرب.
ولا شك أن دراسة الاقتصاد الإسلامي ينبغي أن تحقق أهدافاً ومقاصد نافعة.
فمن خلال هذه الدراسة يتعرف المتعلم شتّى المذاهب الاقتصادية المعاصرة التي تسود عالمنا.
كما تفيد دراسة الاقتصاد الإسلامي في عملية الرد العلمي الموضوعي على مزاعم الأعداء والمستشرقين والمشككين.
والعجب العجاب أن نرى كتاباً وأساتذة وفقهاء يختلفون في أصول الاقتصاد الإسلامي، فبعضهم يردها إلى أحد المذاهب المعاصرة، إذ يرى أنه اقتصاد زراعي إقطاعي، وبعضهم الآخر يرى أنه يعتمد في مبادئه وقواعده أصلاً كبيراً ألا وهو الاقتصاد الفردي الحر، في حين أن طائفة ثالثة ترى أن الاقتصاد في الإسلام يرتكز على الملكية الاشتراكية الجماعية. إن هذا الاضطراب في التحليل الاقتصادي لا يزول إلا بالدراسة المعمقة لمقومات الاقتصاد الإسلامي وأسسه الشرعية.
ومن المقاصد الجليلة التي تتبين للمتعلم من دراسة الاقتصاد الإسلامي مقصد مهم يتمثل في مدى اتساع الفقه الإسلامي.
إذ كثيراً ما نسمع أن الفقه الإسلامي لا يتجاوز حدود الطهارة والصلاة وسائر التعبدات ومسائل الحيض والنفاس، أما الاقتصاد والاجتماع والتعليم والسياسة والإعلام، فهذه ميادين متروكة، بداهة لعلوم العصر.
يقول الدكتور عبدالحميد بوزوينة في كتابه الرائع « ثقافة المسلم.. دراسة منهجية برامجية «: إن هذا محض افتراء ولدته أسباب شتّى أخطرها: الجهل والتعصب والحقد والدوائر الاستعمارية ومراكز الغزو الفكري.
إن المتعلم ليندهش من خلال التقدم في الدراسة والبحث والتحليل، حيث يكتشف أن للإسلام مذهباً اقتصادياً ونظاماً فريداً يمتاز بالعمق والاتساع والشمول.
وهذا أمر طبعي، لأن مبادئ الاقتصاد الإسلامي ربانية المصدر، بينما منطلقات الاتجاهات الاقتصادية، بشرية المصدر، محدودة الأهداف، نسبية النتائج.
* تواجه المصارف الإسلامية مجموعة من المشكلات والعراقيل في أداء نشاطها.. فهل ذلك بسبب الأنظمة أو القائمين على تلك المصارف؟
- سعت المصرفية الإسلامية في الدول الإسلامية والعربية لمعالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات المعاصرة وكذا تخفيف معاناة الأفراد المادية. بل قد أصبحت المصرفية الإسلامية تضاهي البنوك التجارية في أنشطتها الاقتصادية والمصرفية والتجارية كما انتشرت في معظم بلاد العالم الإسلامي، ومن ثم فلا عجب أن تتخذ البنوك التجارية خطوات إيجابية نحو إنشاء أقسام أو فروع للمعاملات المالية الإسلامية.
كما تتميز المصرفية الإسلامية بحرصها على مبدأ المشاركة وتقرير العمل مصدرا للكسب، بدلا من اعتبار المال مصدرا وحيدا للكسب، وتحرير الفرد من النزعة السلبية التي يتسم بها المودع الذي يودع ماله انتظارا للفائدة، مع تصحيح وظيفة رأس المال في المجتمع خادما لمصالحه لا كيانا مستقلا.
ففي وثيقة صدرت عن صندوق النقد الدولي جاء فيها «إن نظام المصارف الإسلامية أكثر فعالية وتوازنا من الأنظمة المالية في الدول الغربية، وخصوصا في معالجة الهزات المالية».
وبالرغم من التوجه العالمي للمصرفية الإسلامية، إلا أنها ما زالت تواجه انتقادات كثيرة، وتحديدا في البلاد الإسلامية، والتي توقع الكثير من مجتمعاتها أن تكون بديلا للمصارف التقليدية التي تقوم على مبدأ الربا وأخذ الفوائد العالية من العملاء. ومن بين الانتقادات التي تواجهها المصرفية الإسلامية، ارتفاع أرباح التمويل والذي يكون أعلى من معدلها لدى المصارف التقليدية، كما تواجه المصرفية الإسلامية انتقادات أخرى كالتعامل الصوري في المنتجات القائمة، وأنها تركز حاليا على البحث عن الربح فقط، وبأي طريقة كانت، وتسعى جاهدة لتطويع المنتجات التي كانت تتعامل بها المصارف التقليدية إلى إسلامية.
* كيف نصل إلى تحقيق مقاصد الاقتصاد الإسلامي في المجتمع المسلم؟
- الاقتصاد قوة الدول والشعوب، لاسيما في هذا العصر الذي أضحت فيه بعض الأمم رهينة المادة، بل تعتبرها الفاصل بين التقدم والتخلف.
ومن هنا احتلت الدراسات الاقتصادية مركز الصدارة، وشغلت اهتمام رجال السياسة والمال وعلماء الاجتماع والاقتصاد.
والإسلام في مجال المعاملات الاقتصادية حافلٌ بالقواعد والضوابط المنظمة لكل من المستهلك والمنتج والسوق والنشاط الاقتصادي. هكذا كان الاقتصاد الإسلامي قادراً على حل المشكلات الاقتصادية لما يتمتع به من خصائص ومقومات غير متحققة في غيره.
وهذا ما شهد به الاقتصاديون والمفكرون الغربيون أنفسهم، منهم على سبيل المثال: أستاذ الاقتصاد الفرنسي جاك أوستري الذي يؤكد في كتابه ((الإسلام والتنمية الاقتصادية)) أنَّ طرق الإنماء الاقتصادي ليست محصورة بين الاقتصاديين المعروفين الرأسمالي والاشتراكي بل هناك اقتصاد ثالث راجح هو الاقتصاد الإسلامي الذي سيسود المستقبل. لأنه ـ على حد تعبير أوستري ـ أسلوبٌ كامل للحياة، يحققِّ المزايا ويتجنِّب كافة المساوئ.
ذلك أنَّ الإسلام هو نظام الحياة التطبيقية والأخلاق الرفيعة، وهاتان الوجهتان مترابطتان لا تنفصلان أبداً.
يقول ليون روشي في كتابه ((ثلاثون عاماً في الإسلام)) لقد وجدت فيه ـ الإسلام ـ حلّ المسألتين الاجتماعية والاقتصادية اللتين تشغلان بال العالمُ .
الأولى في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } الآية، فهذه أجمل المبادئ للتعاون الاجتماعي.
والثانية فرص الزكاة في مال كل ذي مال، بحيث يحق للدولة أن تستوفيها جبراً إذا امتنع الأغنياء عن دفعها طوعاً.
ويؤكِّد جاك أوستري هذه الحقيقة بقوله: إنَّ المسلمين لا يقبلون اقتصاداً علمانياً، فالاقتصاد الذي يستمد قوته من وحي القرآن يصبح بالضرورة اقتصاداً أخلاقياً. وهذه الأخلاق تقدر أن تعطي معنى جديداً لمفهوم القيمة أو تملأ الفراغ الذي ظهر نتيجة آلية التصنيع.
أما البروفيسور الروسي وسلوزيجيريسكي فيقول: لقد أدهشتني النظم الاجتماعية والاقتصادية التي يقررِّها الإسلام وعلى الأخص الزكاة وتشريع المواريث وتحريم الرِّبا.
ويؤكد هذا روجيه جارودي المفكر الفرنسي بقوله: إنَّ الاقتصاد الإسلامي الصادر عن مبادئ الإسلام هو نقيض النموذج الغربي الذي يكون فيه الإنتاج والاستهلاك معاً غاية بذاتها، أي إنتاج متزايد أكثر فأكثر، واستهلاك متزايد أسرع فأسرع، لأي شيء، مفيداً أو غير مفيد، دون نظر للمقاصد الإنسانية.
إنّ الاقتصاد الإسلامي لا يخضع للآلياتَ العمياء، فهو متسق ومحكوم بغايات إنسانية ومقاصد إلهية مترابطة.
هذه بعض اعترافات من باحثين ومفكرين واقتصاديين وعلماء غربيين، يشهدون بما شرعه الإسلام من عدالة اقتصادية واجتماعية.
أقول: في الوقت الذي مازلنا فيه لم نتخلص من عقدة آدم سميث وكارس ماركس، نجد بعض الاقتصاديين الغربيين يشيدون بالاقتصاد الإسلامي، ويلتمسون نظاماً اقتصادياً ثالثاً رائداً غير الاقتصادين الرأسمالي والاشتراكي قادر على قيادة العالم أجمع، قادر على المشاركة في حلّ الأزمات المالية العالمية، خاصة في ظل تراجع النظام الرأسمالي وسقوط النظام الاشتراكي، قادر على أن يضمن للإنسانية هناءتها في ظل مبادئه وأفكاره.
* يعتبر التكافل بآفاقه الإسلامية السامية وتشريعاته المتعددة قاعدة أساسية من قواعد الاقتصاد الإسلامي.. ترى كيف يتحقق ذلك؟
- لقد عانت الإنسانية كثيراً من المشكلات، من الفلسفة الرأسمالية التي تقدم مصلحة الفرد على مصلحة الجماعة، ومن الفلسفة الاشتراكية التي تقدم مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد. ولعلّ تجربة الفرد في أمريكا وروسيا أبلغ دليل على ذلك.
ومن هنا فقد وازن الإسلام بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، فأعطى الفرد القدر الذي لا يطغى به على الجماعة، وأعطى الجماعة كذلك قدراً لا تطغى به على الفرد، سواء من حيث الحقوق أو الواجبات. ومن ذلك:
1) الفرد مسؤول عن عمله مسؤولية فردية. قال تعالى: { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. وقال سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}.
2) الفرد مسؤول مسؤولية جماعية أيضاً. قال تعالى:{وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً }.
3) التكليف موجّه للجماعة في كثير من الأمور. قال سبحانه: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا}.
4) العلاقة بين الفرد والمجتمع في الأمة المسلمة علاقة تعاون لا علاقة صراع. قال تعالى:{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
والشريعة الإسلامية تهدف ـ كما هو معلوم ـ إلى تحقيق الخير للناس في الدنيا والآخرة، فتجلب لهم المنافع، وتدفع عنهم المضار، من أجل تحرير المجتمع من الخوف والجوع، ومن أجل تحقيق الأمن والتكافل، وهذا كله من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية.
قضايا الفقر والبطالة والإسراف موجودة في المجتمع الإسلامي.. فما الحلول الناجحة برأيكم التي يمكن أن تسهم بحل تلك المشاكل
- إنَّ الفقر أكثر من مجرد وضع اقتصادي. وبالرغم من قياس الفقر تقليدياً بمفهوم الدخل، فإنَّ الأخطار الحقيقية للفقر تمتد لتشمل كافة مظاهر حياة الفرد مثل: المرض والأمية والجهل وفقدان السيطرة على الموارد الاقتصادية. إذن، ما المطلوب اليوم لمعالجة ظاهرة الفقر في مجتمعنا؟!!
باختصار المطلوب:
أولاً: وضع المال في محله، بأن ينفق المال إنفاقاً مشروعاً (الصدقة، الزكاة، التبرعات، الهبات، النفقات).
ثانياً: التوازن الاقتصادي الذي يؤدي إلى التقارب بين أفراد الأمة ولا يبقى في المجتمع متخمون وفقراء.
ثالثاً: التكافل بأن يتضامن أبناء المجتمع ويتساندوا فيما بينهم، باتخاذ مواقف إيجابية وتنظيم العلاقات الاجتماعية.
رابعاً: التكامل إذ به يتم الاستقلال الاقتصادي وإعادة الهيبة للأمة.
ثم إنً البطالة مشكلة اقتصادية واجتماعية وإنسانية ذات خطر، فإذا لم تجد العلاج الناجح تفاقم خطرها على الفرد وعلى الأسرة وعلى المجتمع، يقول الراغب الأصفهاني رحمه الله: ((مَنْ تعطّل وتبطل انسلخ من الإنسانية بل من الحيوانية وصار من جنس الموتى)).
لذا، وضع الإسلام مجموعة من القواعد والتنظيمات لمعالجة ظاهرة البطالة، ومن أجل الحث على العمل والبعد عن المسألة، وفي هذا ردٌ على الذين يتهمون الشريعة الإسلامية بأنها تحبّذ جانب الفقر على الغنى.
وبإيجاز، فقد عالج الإسلام ظاهرة البطالة من جانبين:
أحدهما: جانب وقائي، أي قبل وقوع ظاهرة البطالة وانتشار آثارها وأضرارها، بالحث على العمل وذمّ المسألة.
والثاني: جانب علاجي، أي بعد وقوع بعض أفراد المجتمع في أتون البطالة ومستنقع التعطّل، ومواجهة ذلك، بالحث على التخلص من البطالة، من خلال أوامر صريحة وإجراءات ملزمة، تجعل من السهل التصدي لمعالجة ظاهرة البطالة ومشكلة العطالة في المجتمع.
أما الإسراف فهو خروج عن حدود التوسط والاعتدال ويأتي بالمضرة الفادحة ويسبب الشقاء والتعاسة وهو من السيئات الفادحة والأوصاف الفاضحة، التي يُطلب الاستغفار منها والإقلاع عنها.
وهو علة زائفة وخطيئة جارفة، يأتي بالضرر البالغ، والأذى الزائد، فتختل به الموازين وتضطرب به المقادير، فينقلب الخير شراً، والنفع ضراً، فهو شر الأمور على الإطلاق، سواء أكان ذلك في الأقوال أو الأفعال.
إنَّ لزوم القصد واتباع وسط الأمر، هو المنجى من الويلات، فلينفق الإنسان على نفسه وعياله، والمحتاجين من الناس، وعلى المشروعات النافعة، ما ليس إسرافاً ولا بُخْـلاً.
إن التوسط في المأكل والمشرب سبب لحفظ الصحة من الأمراض والأخلاط الفاسدة.
والاعتدال في التنزه واللهو داعية سرور النفس ونشاط الجسم.
والاقتصاد في كسب المال وبذله يهدي إلى وجوه الخير في مكسبه، وترك الشره في جمعه من حله وغير حله ويرشده إلى طرق الإنفاق القويمة، فلا يكون بخيلاً ولا مسرفاً، بل يعيش عيشة السعادة والرفاهية.
* بصراحة ما هو المطلوب للارتقاء بهيئات الرقابة الشرعية في البنوك؟
- أولاَ أقول إنها هيئة متخصصة تضم مجموعة من الفقهاء والاقتصاديين، ممن وهبهم الله فقهاً في الدين، وعلماً في القضايا الاقتصادية المختلفة.
وهدف هذه الهيئة تأطير القضايا الاقتصادية، ودراسة الواقع الاقتصادي، ومدارسة المشكلات والعقبات والتطبيقات الاقتصادية المعاصرة، والبحث عن أفضل الحلول، كل ذلك من وجهة نظر شرعية، مستندة على آيات الله، وأحاديث رسول الله، وآثار السلف الصالح، واجتهادات الفقهاء، ومساهمات الفقهاء والاقتصاديين المعاصرين.
وأهمية هيئة الرقابة الشرعية تنبع في إضفاء الأمن والأمان والاطمئنان إلى شرعية ممارسة المصارف وشركات الاستثمار، ومعرفة الحلال من الحرام من المعاملات الاقتصادية، وكشف المشتبهات وإزالة الغوامض، ودرء الشبه عن التطبيق الاقتصادي الراشد.
ولأهمية هذه الهيئات الرقابية الشرعية انبرى غير واحد من الباحثين والدارسين لدراسة هيئات الرقابة الشرعية، سواء في شكل رسالة جامعية، أو بحث محكم، أو دراسة استطلاعية، وسواء على مستوى الواقع المحلي، أو على مستوى الواقع الإقليمي.
ولقد دعوت في سنين مضت إلى ضرورة وجود مظلة تجمع هيئات الرقابة الشرعية في المصارف المختلفة، ويمكن أن نطلق على هذه المظلة (بيت الفتوى) بحيث يتولى هذا البيت تنظيم الفتاوى الشرعية للمسائل الاقتصادية المستجدة، وكذا الدفاع عن التطبيقات الاقتصادية المعاصرة في المصارف الإسلامية، وعقد اللقاءات، والمؤتمرات، والندوات، والحلقات النقاشية في القضايا الاقتصادية الملحة، وتنسيق الجهود البحثية والميدانية ذات العلاقة بالمصارف الإسلامية.
ومع ذلك أقول المطلوب للارتقاء بهيئات الرقابة الشرعية في البنوك:
1) أن تكون للبنوك هيئة رقابية شرعية.
2) أن تتميز هيئة الرقابة الشرعية بالاستقلالية.
3) أن يتم اختيار أعضاء هيئة الرقابة الشرعية بعناية ودراية.
4) أن تجتمع هيئات الرقابة الشرعية تحت مظلة واحدة مثلاً «بيت الفتوى».
5) أن يتوافر لأعضاء هيئة الرقابة القدرة على المزج بين الجهد البحثي العلمي، والنزول إلى الواقع للاطلاع على الواقع التطبيقي، حيث القاعدة الأصولية تقول (الحكم على الشيء فرع عن تصوره).
6) أن يكون لأعضاء هيئات الرقابة لقاءات دورية لمناقشة المستجدات والفتاوى والأبحاث للمسائل الاقتصادية المعاصرة.
7) أن يكون هناك دعم أساس أو حكومي للبنوك لهيئات الرقابة الشرعية.
* وفي الختام ماذا تودون أن تقولون؟!
- ختاما أقول: إن الاقتصاد إذا أفرغ من معاني الاعتدال والقسط والتوسط في الأمور يصبح استغلالا ماديا للإنسان أو للسلع التي يتعامل معها، إذ العدل هو الركيزة الأساسية للاقتصاد لأن الاقتصاد يعني اختيار البدائل المثالية.
وأنه من الخطأ أن نعتقد أن النظم الاقتصادية القائمة فردية كانت أو جماعية هي القدر الذي يجب علينا أن نختاره, ومن ثم فعلينا أن نقلب أبصارنا لنختار إحدى التجربتين.
وللأسف , فعندما فعلنا ذلك حالفنا الفشل الذريع. إننا أمة لها كيانها وشخصيتها المتميزة المستقلة ونحن مجتمع له معتقداته وتقاليده وظروفه وتقاليده الخاصة.
ومن هنا, فإنني أطالب بإلحاح أن يكون لنا نظام اقتصادي مميز في مصادره وفي أحكامه وفي أهدافه وفي خصائصه عن النظم القائمة, يستمد منهجه من تعاليمنا الإسلامية ومقاصد ديننا الحنيف وتراثنا الاقتصادي الإسلامي الذي يعتبر نبراس عدل وشاهد حق على السبق في الميدان الاقتصادي.