يقول الخبر الذي نشرته صحافتنا المحلية نهاية الأسبوع الماضي: «ألقت شرطة منطقة حائل القبض على خمسة عمال من جنسية عربية بتهمة تزوير أختام جهات حكومية، وإصدار إجازات طبية مزورة وتعريفات بالرواتب. ويدير المتهمون عملياتهم من خلال مكتب لخدمات الطالب، وعثر معهم على أختام وشعارات خاصة بجامعة حائل ووزارة التربية والتعليم؛ فتمت مصادرتها، بالإضافة إلى مصادرة الأجهزة. ولا تزال التحقيقات جارية مع المتهمين ليتم إحالتهم إلى هيئة التحقيق والادعاء العام؛ لتوجيه التهم إليهم وتصديق اعترافاتهم تمهيداً لمحاكمتهم».
الختم والتوقيع مثل البصمة الشخصية تماماً التي في أصبع كل منا ولا يمكن أن تتشابها مع غيرها، لهما منزلتهما الخاصة وأهميتهما البالغة لدى القانونيين والاقتصاديين والساسة، ولذلك كان الخلفاء والأمراء والقادة والقضاة يحفرون أسمائهم على خواتمهم التي في أصابعهم، والمسئولون ورجالات الدولة يحفظون الأختام في حرز آمن ويغلقون أدراج مكاتبهم بمفاتيح يضعونها في جيوب ملابسهم التي يرتدونها حيطة وحذراً، ولذلك فإنّ الوصول إلى مرحلة سرقة أو تزوير الختم الخاص بمؤسسة معتبرة ولها منزلتها المجتمعية هو في حد ذاته نيل من السيادة، وخدش في الهيبة، وتعدٍّ سافر على أخص الخصوصيات في هذه المؤسسة أو تلك، وجزماً لم تكن هذه العملية من قِبل مركز «خدمات طالب» مجرّد حدث عارض، ولا يمكن النظر إليها بعيداً عن سياقها المتدرج وصولاً إلى هذه المرحلة من الثقة المطلقة بالبعد عن عين الرقيب والأمن من العقوبة.
تاريخياً .. بدأت هذه المراكز قبل ست وعشرين عاماً تقريباً بتصوير الكتب التي يدرسها طلاب الكليات آنذاك، وهذا خرق للملكية الفكرية كما هو معروف!!، ثم صارت تُصدر المذكرات التي يكتبها الطلاب، وتُدون على غلافها اسم أستاذ المادة مع أنه لا يعرف عنها شيئاً، ولم يمليها على طلابه، ولم يُجز طباعاتها ومن ثم نشرها وتداولها باسمه!!، وفي مرحلة ثالثة صارت هذه المراكز تجتهد في إصدار الملخصات، ووضع الأسئلة والأجوبة للمقررات ولجميع المراحل الدراسية ابتداءً من المتوسطة وحتى السنوات الأخيرة في المرحلة الجامعية، مما أضر بالعملية التعليمية!!، ليس هذا فحسب بل إنّ بعض المراكز سهّلت الغش للطلاب بالتصوير الاحترافي للمقررات الدراسية وتصغير ورقة الكتاب على شكل «براشيم صغيرة جداً»!!.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوز الطالب إلى المعلم، فصارت تُباع كراسات التحضير الجاهزة جهاراً نهاراً في هذه المراكز وكذا المكتبات، وما على المعلم إلا شراءها وكتابة اسمه واسم المدرسة والعام الدراسي الذي هو فيه على الغلاف، وفي الداخل هناك حقل لتاريخ اليوم ومكان للتوقيع.
وتعدّى الأمر الشأن الأكاديمي لتعلن بعض المراكز أنّ من بين خدماته العديدة تسجيل المواد الجامعية للطالب والطالبة وكذا الحذف والإضافة، مما يعني أنها ستخترق سرية الطالب الجامعي وتنال من خصوصيته كما هو معروف، ويكون الرقم السري للطالب في حوزة عامل المراكز هذا.
والطامة الكبرى أنّ هناك من وجد في البحوث الطلابية وحل الواجبات والتكاليف العلمية لطلاب الجامعة والدراسات العليا باباً مشرعاً للكسب الحال، فصار التنافس ساخناً بين عدد من المكتبات والمراكز في هذا المضمار، حتى أضحى البحث العلمي لا قيمة له ولا أثر في حياة الطالب الجامعي الذي سيدفع ما يقارب الخمسمائة ريال أو يزيد ليحصل على بحث جاهزة ومغلف يقدمه صباح غدٍ لأستاذ المادة وللأسف الشديد!!.
والغريب أنّ هذا كله كان في البداية يتم بالخفاء والسرية التامة، ولا يمكن أن ترى شيئاً مما ذكر أعلاه أمام ناظريك وأنت تدخل هذا المركز أو تلك المكتبة، واليوم ترى الإعلانات الصغير منها والكبير في صفحات الإنترنت وعلى قارعة الطريق وداخل المكاتب ومقار العمل وللأسف الشديد!!.
إنّ هناك غياباً واضحاً في جميع مناطق المملكة لتوصيف وظيفة مراكز «خدمات الطالب» على وجه الدقة، حتى صار التاجر يظن أنّ خدمة هذا الإنسان طالب العلم لا حدود ولا ضابط لها، ووزارة الثقافة والإعلام هي من عندها الخبر اليقين، وعليه تقع المسئولية، وهي من تملك المسألة، وعليه تقع التبعة، ومنها ننتظر نحن التربويون وأولياء الأمور الإجابة والحل، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.