في عام 1419هـ كتبت في زاويتي الأسبوعية رماديات في مجلة اليمامة مقالة عن (التربية الجنسية لأطفالنا) أي منذُ «16» عاماً! تناولت خلالها أهمية التربية الجنسية للأطفال من قبل الوالدين بهدف حمايتهم من الاستغلال الجنسي، وذلك بأسلوب يشعر الطفل بالأمان العاطفي والراحة النفسية التي لن تتحقق إلا عندما تكون علاقته العاطفية بوالديه سوية ولا تشوبها منغصات! ولكن للأسف الشديد واجهت سيلاً من الهجوم على الفكرة لفهمها من زاوية شعبية قاصرة وليس من الزاوية النفسية العلمية لتكوين مراحل النمو النفسي الجنسي للشخصية، وتعرضت لانتقاد لاذع لمطالبتي بتثقيف الأطفال منذ مراحلهم العمرية المبكرة بالأمور الجنسية في حياتهم مما سيدفعهم للتجربة التي ستسيء لبراءتهم! وهاهي الآن حوادث وبلاغات التحرش والاعتداء الجنسي تفرض الحاجة بأهمية حماية الأطفال والمطالبة بنظام مكافحة التحرش، ولكن جميع هذه المطالبات لن تأتي بثمارها المرجوة إلا من خلال جانبين:-
1 - الجانب الداخلي: وهذا تقع مسؤوليته بالدرجة الأولى على الأسرة وذلك من خلال تثقيف الوالدين بأهمية توعية أطفالهم بقيمتهم في الحياة ودعم نظرتهم لذاتهم وخاصة «الذات الجسدية» بالدرجة الأولى حتى لا يسمحون لأي معتدٍ بالمساس بكرامتهم وخاصة من هم خارج الأسرة، ولو حدث له إيذاء من داخل الأسرة فهو لن يصمت بل سيتجه للطرف الآمن معه في الأسرة.
2 - الجانب الخارجي: وهذا تقع مسؤوليته على الجهات التعليمية في دعم الدور الأسري وإكماله بكل الوعي لأن مسؤولية التربويين عظيمة جداً ولا تقل أهمية عن دور الوالدين في حماية هذه الأمانة التي بين أيديهم، وكذلك الجهات الصحية في عدم السكوت عن أي حالة مشتبه أنها تعرضت للتحرش، ولا تقل عنهم أهمية الجهات الحقوقية والاجتماعية من حيث عدم التهاون بأي بلاغات عن التحرش بالأطفال والتي يتم استقبالها بشكل يومي من خلال الأرقام المخصصة لذلك ومنها رقم مركز البلاغات التابع للجان الحماية الاجتماعية بالمملكة «1919» أو رقم خط مساندة الطفل التابع للبرنامج الوطني للأمان الأسري «116111» أو الرقم المجاني للاستشارات الأسرية «8001245005» أو أرقام أمارات المناطق التي من السهل الحصول عليها، وهذه البلاغات بلا شك إذا تم التحقق من صحتها بلا شك تحتاج لتفاعل الجهات الأمنية وذلك للبت في سرعة القبض على المشتبه فيهم وتحويلهم للجهات المعنية بالتحقيق، وجميع هذه الجهود الهامة لن تنجح في مساعيها لحماية هذه الفئة الضعيفة إلا من خلال سنّ العقوبات المشددة على كل من تسول له نفسه الدنيئة باستغلال الأطفال لإشباع شهواتهم المريضة!
وأخيراً.. نحن مجتمع لا يطالب ويتشنج إلا بعد وقوع الفأس في الرأس لأنه لا يعترف بالوقاية، بل يطالب بالعلاج العاجل وتطبيق العقوبات على المعتدين، بالرغم لو أننا ركزنا على التوعية منذ سنوات مضت لكان أنقذنا حتى هؤلاء المتحرشين من أنفسهم لأنهم «مرضى» ويحتاجون أيضاً للعلاج السلوكي والدوائي لوقوعهم ضحايا استغلال سابق في طفولتهم ولم يجدوا الدعم والمساندة من أسرهم! وهاهم ينشرون سلوكهم الجنسي المريض لجيل آخر سيتوارث هذا السلوك المضطرب منهم، لو أغفلنا الوقاية وركزنا على المطالبة بالعقوبات فقط!