موقف صغير قد يغير مسار حياتك للأبد!
كنت أعرفه زميل دراسة. طيب القلب لكنه يؤمن إيمانا تاما بأن مؤامرة كونية تحاك ضده. الدكتور فلان يتآمر ضده وكذلك يفعل الطالب فلان، وحتى رفيق سكنه. كان يدخن بشراهة ومتوترا على الدوام.
نظراته تراقب تحركات الآخرين ضده!
حاولت بشتى الطرق إقناعه بأنه لا توجد مؤامرة ضده، وفي مرة كنت أمازحه فقلت له متهكما: ومن أنت حتى يتآمر الجميع ضدك؟
حبس المزحة في صدره، وغاب عن ناظري أشهر غضبان لأنني أستهين بشخصيته وما يعانيه في حياته!
اعتذرت له، وتوقفت عن إسداء النصيحة له، لكن صدري يضيق بأحاديثه المعتادة عن مؤامرات تحاك ضده من كل شخص يقابله!
انتهت دراستنا فتفرقت بنا السبل. وانقطعت أخباره عني لسنوات طوال. لا أخفي سرا إذ قلت إنني كنت أشتاق لأحاديثه الأخرى التي لا مؤامرة بداخلها!
التقيته أخيرا في منزل أحد الأصدقاء الذي جمعنا بآخرين من زملاء الدراسة. عانقته بحرارة، ثم قضينا الساعات الطوال في أحاديث كيف مضت حياتنا. انبهرت بشخصيته الجديدة. هدوءه، ومنطقية أفكاره، والأجمل من هذا كله أنه لم يذكر كلمة المؤامرة ولو تلميحا صغيرا. سألته: لعلك نسيت المؤامرة.. أين تركتها؟
روى لي أنه بعد تخرجه جرب العمل في أماكن عدة، وفي كل مرة يغير مكان عمله بسبب اعتقاده بالمؤامرة التي تحاك ضده، وأنها استنزفت كل قواه العقلية والصحية، حتى جاءت لحظة المواجهة. كان ذلك في يوم عودته إلى قريته الصغيرة، في إجازة قصيرة، التقى بها عمه الكبير الذي سأله فيما عدم استقراره وتغييره المستمر لأماكن عمله؟ فحكى له قصته بتفاصيلها المملة. قال له عمه: إذاً الرجال يتآمرون عليك.. فماذا فعلت أنت في مقابل ذلك؟
إجابة صغيرة لم تنكر عليه ما يعتقده لكنها واجهته بشخصيته السلبية التي تفضل العيش تحت ظل المؤامرة دون مقاومة أو تغيير لواقعه التعيس.
قال لي إن جملة عمه كانت الباب الذي ولج منه إلى حياة أخرى كان التنافس مع الآخرين هو عنوانها وليس المؤامرة. وأنه مدين لعمه بعد فضل الله فيما تحقق له من نجاح يقطف ثماره الآن!
انتهت القصة، ولن تنتهي فكرة المؤامرة. فالتنافس في الحياة سواء على مستوى الأفراد أو حتى على مستوى الدول يتطلب في بعض الأحيان مناورات وتغيير مواقف، قد يراها الإنسان المسلوب الإرادة أنها مؤامرة، في حين يراها آخر يملك إرادته أنها مصالح متغيرة ويجب أن يغيرها لصالحه!