الجزيرة - المحليات:
أوضح المتحدث الرسمي لوزارة العدل الأستاذ فهد البكران تعليقاً على مناقشات بعض أعضاء مجلس الشورى المنشورة إعلامياً أن الوزارة تثمن إشادة عدد من أعضاء الشورى أثناء مناقشة تقرير وزارة العدل أمس الأول، كما ثمنت سلفاً إشادة معالي رئيس الشورى وعدد من أعضائه لهذه المنجزات عند زيارتهم لمشروع تطوير القضاء. وحول الملاحظات التي أبداها بعض الأعضاء، ومن ذلك المطالبة بإخراج المدونة القضائية، قال البكران إن لها مفهومَيْن: المفهوم الأول: وهو محل مطالبة عدد من أعضاء المجلس الموقر، ونعني به صدور تقنين للأحكام القضائية. وهذا أسند اختصاص النظر فيه إلى هيئة كبار العلماء، وليس وزارة العدل، وصدر عن الهيئة الموقرة قرار بشأنه، ولا تختص وزارة العدل به مطلقاً، لا ابتداء ولا انتهاء، ولا تدخل الوزارة إلا في نطاق صلاحياتها، ولا تطالب بما لم يوكل إليها.
أما المفهوم الثاني المتعلق بجمع عدد من الأحكام القضائية المختارة فالوزارة تعمل حالياً على إنهاء لمساته الأخيرة بإخراج مجموعة مجلدات ضخمة وعديدة، قد تصل إلى عشرين مجلداً مصنفة ومفهرسة على المواد القضائية، وقد استغرق هذا الجهد وقتاً وتفريغاً مؤقتاً لعدد من القضاة لمباشرة هذا العمل القضائي المهم للغاية، سواء للقضاة أنفسهم أو للمحامين والمحكمين والباحثين أو للرأي العام لتأكيد وجود عدالة شفافة تنشر أحكامها بكل ثقة ووضوح.
أما فيما يتعلق بالمساجلات القضائية فهذا لا تعلم عنه الوزارة إلا بعد نشرها بأسماء مبهمة في الإعلام الجديد. فمثلاً ما يسمى بعريضة المائتي قاض، ورد ثلاثمائة قاض عليهم أو أكثر من ثلاثمائة، لم يُنشر فيها إعلامياً أي اسم قضائي، وما وصل للوزارة بشأنها لا يوجد عليه أي توقيع قضائي، بل تدوين السجلات المدنية للأشخاص، وعمومها فيه أخطاء في الأرقام مع أسماء مكررة، وعدد من القضاة ممن نما إلى علمهم وجود أسمائهم فيها أنكروا ذلك، وطالبوا بإحالة من رفع الخطاب إلى المحاكمة لمحاسبته على التزوير عليهم، بل بعضهم في خطابات سابقة أنكر حتى التوقيع الحي المنسوب إليه، وليس فقط السجل المدني، وهناك أسماء تم تداولها نُسب إليها التوقيع وقد كتب الإعلام عن تفاصيل أدائها القضائي فيما أسماه بمصادره من داخل الأروقة القضائية حسب ما يُذكر، وإن كنا لا نحبذ ذلك ولا نرتضيه، لكن هذه الأسماء في النهاية هي التي جرت ذلك لنفسها ابتداء، وكان عليها كما تضمنته مداخلة عضو الشورى الموقر النأي بها عن هذا الأمر، وهنا تُحفظ هيبة القضاء، مع أن الإعلام لم يتناول أحداً باسمه، وإلا كان من حقنا المساءلة وطلب المحاسبة، لكن لا نستطيع أن نمنع الإعلام في طرحه المجمل عن أمر أساسه مطروح في الإعلام بفعل من نشر الموضوع أصلاً في وسائل الإعلام.
أما ما يتعلق بشغل الوظائف فإن الوزارة عملت على شغل وظائفها بالكفاءات الوطنية، لكن يفوت البعض أن هناك نِسباً مئوية، يقضي العرف الإداري بأن تبقى شاغرة لتحريك السلم بالترقيات وعدم جموده، ولهذا الجمود تأثير سلبي كبير على المحفز الوظيفي.
أما طول مواعيد التقاضي فلدى الوزارة مع المجلس الأعلى للقضاء خطة، نتج منها القضاء على هذا الطول في مدن رئيسية، مثل الرياض؛ إذ أصبحت المواعيد الجديدة خلال ثلاثة أسابيع تقريباً، ونأمل أن يزحف هذا على المواعيد القديمة مع الوقت القريب، مع الالتزام حالياً بأن تكون مواعيد القضايا الأسرية لا تتجاوز أسبوعين، بما فيها المواعيد القديمة.
أما عدد القضاة فالمجلس الأعلى للقضاء يعين سنوياً العديد منهم وفق خطة تراعي أهمية وحساسية شغل هذه الوظيفة، وليس من السهل شغل الوظائف القضائية كافة في وقت وجيز، فمنهجية اختيار القاضي تمر بمراحل عدة، ويتم استبعاد العديد من المرشحين، فإذا كنا نجد أحياناً صعوبة في اختيار الموظف الإداري الكفء فكيف بالقاضي. أما النِّسب المئوية لعدد القضاة فإنها تتفاوت من رأي لآخر، وأفضلها من جهة النموذجية هي 6.7 قاض لكل مائة ألف نسمة، على أساس أن أي زيادة على ذلك تعني غياب الأدوات المساعدة على تقليل تدفق القضايا على القضاء، ومن أهمها الصلح والتحكيم. وحسبة القضاة في جميع دول العالم تشمل القضاء العام والقضاء الإداري والنيابة العامة (هيئة التحقيق والادعاء العام)، ولو أخذنا بهذه الحسبة دون اختزال لكنا قد تجاوزنا المعيار الدولي النموذجي بالضعف. ولا ننكر أننا نجد تأخراً في بعض القضايا في حالات يتعامل معها مع المجلس الأعلى للقضاء بأدواته، فهناك من انتقد التأخير من داخل موظفي جهاز الوزارة نفسه، واتضح أنهم بعملهم المسند إليهم لدعم العملية القضائية من أهم الضالعين في التأخير، ويجري التحقيق مع عدد منهم.
ولدى الوزارة تقدم تقني وتدريبي غير مسبوق، مع حرص الوزارة على إعادة هيبة القضاء من خلال احترام هيبة الأحكام القضائية عن طريق حزم التنفيذ وقوته وعدم التراخي فيه.
أما مباني الوزارة فقد أرست الوزارة المباني كافة التي توافرت أراضيها، وما سوى ذلك فلا تزال الوزارة في مطالبة مستمرة بل وسجال قوي مع بعض الجهات لتأمين هذه الأراضي حتى وصل الأمر إلى قيام بعض الوزارات بالتنازل لنا عن أراضيها لمعرفتها بحجم معاناتنا.
وفيما يخص المطالبة بإيجاد لائحة للمطلقة أو صندوق النفقة فإن الوزارة ليست جهة تشريعية، لكنها في بعض المسائل ترفع مقترحها النظامي أو اللائحي كما حصل في صندوق النفقة، ولا تملك الوزارة إصداره لاحقاً، فهو للجهة التنظيمية.
ومما يهم التأكيد عليه أن الوزارة والمجلس يواجهان مشكلة تتعلق بالتأهيل، ويسعيان في تكثيف الدورات التدريبية بشأنه، كما يعاني الجهازان من بعض الممارسات الوظيفية السلبية، خاصة الخروج عن مهام العمل العدلي لمهام أخرى، أثرت في العمل وقتاً وجودة، وهي التي لا يزال الجهاز العدلي يتعامل معها بحكمة وحزم في آن واحد منذ فترة طويلة، وهي - مع بالغ الأسف - متشعبة ومتجذرة، مقدرين جهود العاملين في الجهاز بوجه عام من قضاة وموظفين.
وتطوير القضاء هو باختصار شديد - كما أوضحه معالي الوزير مرات عدة - يتركز على ما يأتي:
أولاً: بنية تحتية، وهي: مبانٍ، وقد أرسيت المباني كافة التي توافرت أراضيها. وتقنية، وقد دخلنا في منافسة عالمية فيها، وليس فقط توفير متطلباتها في المحاكم وكتابات العدل، خاصة قياسات الأداء ومؤشراتها العالمية، ومنها أفضل مائتي مؤشر أداء إحصائي تقويمي ورقابي، وقد أفادت منها بعض الدول العربية والخليجية تحديداً، وهم من زاروا مشروع الملك عبد الله لتطوير مرفق القضاء، ودهشوا لثورة نقلته الحاسوبية.
ثانياً: دعم وظيفي، وقد تم شغل الوظائف الشاغرة كافة، ما عدا ما تحدثنا عنه، وهو إبقاء القدر اللازم لتحريك السلم وعدم جموده وفق العرف الإداري المستقر عليه. كما يعمل مجلس القضاء بشكل مكثف على شغل الوظائف القضائية، لكن على ألا يؤثر الاستعجال في الجودة؛ فاختيار القضاة ليس كغيرهم. ويكفي الوزارة والمجلس أنهما خلال خمس سنين زادت أعداد القضاة وكتاب العدل أكثر من الضعف، بمعنى أنه تم تعيين قضاة وكتاب عدل في خمس سنين أكثر ممن تم تعيينهم على مدى خمسين عاماً ماضية، وهو رقم مدهش لكل من شدد علينا كثيراً بزيادة أعداد القضاة، ولا يزال المجلس يعيّن كل ثلاثة أشهر تقريباً عشرات القضاة ممن استُكملت مسوغات تعيينهم تباعاً أولاً بأول؛ إذ يأخذ تعيين مخرجات الكليات الشرعية بعض الوقت في الفرز على دفعات.
ثالثاً: التدريب والتأهيل، ولدى الوزارة والمجلس في هذا شهادات بأن العملية التدريبية والتأهيلية بورش عملها ونقاشاتها وملتقياتها تمثل حراكاً غير مسبوق في المرافق الدولية ذات الصلة كلها، وليس في تاريخ الوزارة فقط، ويقوم عليها مدربون وخبراء مؤهلون تأهيلاً عالياً نظرياً وتطبيقياً، غير أن النتائج فيما يتعلق بالتدريب له هدف قريب ومتوسط وبعيد المدى، والأخير هو في الواقع المستهدف في تأهيل منسوبي القطاع العدلي كافة، سواء على الإجراءات أو على حسن إدارة الدفة العدلية، كل فيما يخصه.
رابعاً: التشريعات، ولدى القضاء حالياً أفضل تشريعات قضائية، سواء في نظام السلطة القضائية أو أنظمة مرافعاته أو ما تم الرفع عنه من قِبل الوزارة وصدر، مثل تنظيم المصالحة أو ما شاركت الوزارة فيه كنظام التحكيم، وما يترقب صدوره مثل تنظيم مركز التحكيم السعودي ومشروع تنظيم صندوق النفقة ومشروع تنظيم العقوبات البديلة، وغيرها كثير مما اقترحته الوزارة أو أسهمت فيه.
خامساً: بيئة إدارية عصرية وشفافة وعادلة، وقد استحدثت الوزارة في هذا هيكلة جديدة تضمنت وكالات ووكالات مساعدة وإدارات ووحدات جديدة، كما أنها تعمل على حوسبة أعمالها وإحساس الموظف بالعدالة في تقويمه ومحفزات العمل، وبخاصة الترقيات التي تنفذ منها الوزارة على مستوى الدرجات كافة سنوياً أكثر من المعدل الحاصل في أي جهة حكومية أخرى بالنسبة لعدد الوظائف المتاحة، كما هو في إحصائية معتمدة لدى الوزارة.
سادساً: تأمين الإسناد للمحاكم، وهذا تعمل عليه الوزارة عن طريق فروعها، ويتم من خلال ذلك تأمين احتياجات المحاكم باستمرار، وتلافي أي نقص في حينه عن طريق تعيين ضابط اتصال للرفع عن احتياج كل محكمة، وهو المسؤول مع الفرع كله عن أي قصور.
ولي أن أعلق بهذه المناسبة عما أُثير مؤخراً من عدم تأمين وثائق عقود النكاح في بعض المحاكم، وأقول إن ما نُشر في هذا مبالَغ فيه؛ فالوثائق متوافرة، لكن يحصل أن يكون هناك خطأ في صيغة الطلب، فيحصل التأخر يوماً أو يومين، وهو في جميع الأحوال نادر جداً، ويحاسَب أي مقصّر فيه حتى لو كان لساعات، بينما نلاحظ أن النشر قال عن ذلك بأنه لمدد طويلة، وهو محض افتراء، وبإمكان أي محكمة أن تتصل مباشرة عن طريق رئيسها على مكتب الوزير أو الوكيل أو المدير العام للتحدث عن الحالة؛ فالمستودعات مليئة بآلاف النسخ من هذه الوثيقة، مثل غيرها.
ومن الإسناد تأمين المزيد من الموظفين الأكفاء للمحاكم، وهذا يتطلب تأهيلاً خاصاً وتدريباً مستمراً، وهو ما تعمل عليه الوزارة في حملة تدريبية سبق أن قلنا إنها غير مسبوقة، لا للموظفين ولا للقضاة ولا لكتاب العدل، ولا ننتظر نتائجها قريباً، فالتحدي الذي أمام الوزارة كبير، لكن المنجز أكبر بشهادات عالية، سواء من الداخل أو الخارج. ومن بين هذه الشهادات قيادات القضاء في المملكة الذين زاروا المشروع، ودوّنوا مشاهداتهم، سواء على أرض المشروع أو داخل محاكمهم، من واقع ما لمسوه، كل فيما يخصه.
ولا ننسى أن من أهم مهمات التطوير القضاء على ما قد يوجد من تسيُّب وتساهل في آلية العمل، خاصة في الصكوك، وهذا الأمر كبَّد الوزارة عمل ثلاث سنوات متواصلة، كما نقلنا الصورة الحقيقية لعدالة المملكة خارجياً، وفوتنا الفرصة على المغرضين والمتربصين بتحكيم الشريعة الإسلامية وبعدالة المملكة عموماً، وقد تفهّم كل من التقتهم عدالة المملكة أطروحاتنا الموضوعية الشفافة في حوارات تاريخية.
هذا هو مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير القضاء باختصار شديد، لا غموض فيه. وكما سبق أن صرح معالي الوزير، فإنه بالرغم من التطور الحاصل إلا أننا لا نعتقد أن أحداً سيقول إن التطور بلغ نهايته وحان للجميع أن يستريح، ولا يهم طالبي الخدمات العدلية إلا تحقيق العدالة الناجزة، وهي شغلنا الشاغل باستمرار؛ إذ يهمنا أن يحصل كل متقاض على حكم قضائي عادل وناجز، ومن عدالته أن الضمانات القضائية لاستئنافه أمام محكمة الاستئناف أو الطعن على حكم الاستئناف أمام المحكمة العليا متاح بإجراءات واضحة تسري على الجميع.
أما القول بأن هناك 60 % من الوظائف شاغرة فهو خطأ مائة في المائة، وليس لدينا هذا العدد شاغراً مطلقاً، بل عموم الوظائف مشغولة ما عدا ما يتطلب السلم الوظيفي شغله من أجل تحريكه كما قلنا.
أما الوظائف القضائية فثمة نِسب شاغرة دون هذا، وقلنا إن شغلها يمر بمراحل مهمة، يصعب التساهل فيها، وليس من السهولة الاستعجال في شأن مهم بحجم الوظيفة القضائية، وإلا كان على حساب الجودة والنوعية مهما كثر عدد الشواغر القضائية.