من منا ليس له ابن أو ابنه، وقريب وقريبة ينتظرون الفرج الذي يبدو بأنه لن يأتي قريباً أو ربما لن يأتي أبداً، في أمور تخص جوهر مستقبلهم وحياتهم كالدراسة والعمل.
القاسم المشترك بينهم جميعاً هو أنهم قدموا طلباتهم للدراسة أو العمل إليكترونياً وكان ذلك آخر عهدهم بما يخص تلك الطلبات، لا رد وصلهم ولا خبر عن طلباتهم التي بلعتها ذاكرة الحاسبات الإليكترونية وأضحوا كمن يحاول الإمساك بخيط من الدخان أو حسب الوصف القرآني الذي لا يقارن في بلاغته ودقة وصفه في ما ذكره الله عز وجل في سورة الرعد كمن يبسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه، وما هو ببالغه.
جُل دول العالم وخصوصاً الدول التي تقدر نعمة التكنولوجيا استفادت من هذه النعمة نحو تطبيق حكومة إليكترونية لا تعرف المجاملات ولا الحسابات الشخصية في التفريق بين شخص وآخر، فالفرص المتكافئة مفتوحة للجميع بشفافية واضحة تجعل الجميع راضيين ولا تذمر بينهم، ويتم إطلاعهم بشكل دوري ومستمر عن مصير طلبات التحاقهم سواء لدراسة أو عمل أو خلاف ذلك من شئون الحياة.
بالمقابل، الوضع عندنا، الحديث عنه ذو شجون، لعل بدياتها أننا لدينا قدرة عجيبة وغربية لا ينافسنا فيها أحد من شعوب الأرض في القدرة علي سوء استخدام كل ما هو تكنولوجي، فوسائل الاتصال الاجتماعي وخصوصاً الفيس بوك وتويتر، والتي من مسماها يبتغي منها التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة لبث الفرقة والقيل والقال ونشر الإشاعات المغرضة والتفنن في التعرض لإعراض الناس والخوض في خصوصياتهم، وأضحي تغريد تويتر والمراد به تبادل الأفكار والحوار، نعيقاً لدينا، مما يستوجب على شركة توتير إطلاق نسخة منه موجه لنا تحت مسمي»النعيقة» وبمقترح أن يكون شعارها «غراباً « لا « عصفوراً».
وكما شمل سوء الاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل ملفت للنظر ولا يُري له مثيل إلا لدينا، فإن سوء الاستخدام طال وبشكل ملفت للنظر المتقدمين للحصول على فرصة للدراسة أو للعمل. وحتى يكون الموضوع المطروح في هذه المقالة مبنياً على واقع لا إلى افتراضات، عليه لابد من ذكر أمثله توضحه.
ففي مجال الدراسة، الطلبة بعد تخرجهم من الثانوية العامة واجتيازهم القياس والتقويم، وهما امتحانان عليهما الكثير من الملاحظات أهمهما عدم إعداد وتدريب الطلبة عليهما مسبقاً، ويتقدم الطلبة إليكترونياً للحصول على مقعد في أحد الجامعات.
تعلن أسماء المقبولين ويترك الذين لم يقبلوا في حيره من أمرهم فهم لم تصلهم رسائل عن سبب عدم قبولهم، أو ما هو المطلوب منهم، أو أنه إذا ما سيتم التواصل معهم لاحقاً، أم لا؟.. أسئلة كثيرة، بدون أجوبه، هذا ما يحصلون عليه.
وللذين أبتسم لهم الحظ وقبلوا، فبعد التخرج وحصولهم على معدلات مرتفعه، يقدمون على فرص إعادة، وطبعاً يسمع المرء قصصاً لا تصدق في هذا الشأن، طبعاً هم يقدمون إليكترونياً وحسب الشروط المطلوب توفرها لمن يرغب في التقديم كمعيد أو معيدة، وكما هي الحالة مع طلبه الثانوية والمذكورة آنفاً فلا يصلهم رد أبدأ، ليفاجأوا بأن بعض الذين يعرفونهم والأقل منهم معدلات قد تم قبولهم.
وهم لم تصلهم حتى رسالة تعتذر عن قبولهم موضحة الأسباب لذلك، والأدهى والأمر (من المرارة) بأنه لا يتم إعلان أسماء المقبولين حتى تمر عملية تمرير ذوي الحظوة بدون ملاحظة من الآخرين الأقل حظوة.
وحتى توضع الأمور في نصابها، وحتى لا يقال إن هذه اتهامات غير صحيحة وكيدية، فلقد نشرت الصحف مؤخراً بأن وزارة التعليم العالي أرسلت للجامعات تطلب منها إفادة عن قبول طلبه بمعدلات ضعيفة في كليات الطب كونهم أبناء لأعضاء هيئات التدريس في هذه الجامعات.
خطوة تحسب لوزارة التعليم العالي، بيد أنها خطوة في الاتجاه غير الصحيح، فكيف يطلب من جهة هي طرف في قضية الإفادة عنها، وكان الأحرى تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق عوضاً عن الكتابة لجهات هي الطرف الموجه لها التهمة. ما ينطبق على الآليات المتبعة في التقديم للحصول على مقعد دراسي في الجامعات أو الإعادة، ينطبق أيضاً على التقديم للحصول على فرصة عمل سواء عن طريق كافة الجهات والهيئات الحكومية أو الشركات الحكومية الكبرى كشركة أرامكو وسابك والخطوط السعودية، فيتقدم طالب فرصة العمل إليكترونياً، وتكون هناك شروط في الكثير من الأحيان للقبول والتي تكون متوفرة في المتقدم، ثم يبدأ الفيلم الطويل والانتظار الممل، ولا يعرف من قبل لماذا قبل، وإن كان هذا التساؤل لا يُطرح، ولكن التساؤل الهام الذي يدور في خلد من لم يقبل هو لماذا؟.. العجيب هنا أنه لا تصل للشخص رسالة أبداً بالاعتذار له عن عدم القبول وبأن الجهة التي تقدم لها لما تقبله لهذه الأسباب، حتى يكون علي بينه من أمره في موضوع يمس جوهر حياته دراسة كان ذلك أو عملاً.
ولعل المضحك هنا أن العديد من الجهات التي يتقدم لها الناس للدراسة أو للعمل تقوم مشكورة بإرسال رسالة على هاتف المتقدم الجوال تفيده بأنه قد تم تسجيل طلبه لديها، يكون ذلك آخر عهده بالطلب، فلا يسمع بعد ذلك شيئاً عنه، فالطلب دخل إلى دهاليز كما أصبح متعارفاً عليه بالسيستم «النظام» وانتقل لجوف الحاسوب ليستقر فيه إلى ما لا نهاية.
نزلت التكنولوجيا على غيرنا تسهيلاً وتيسيراً للجميع وبفرص متكافئة، وحلت علينا غطاء يتدثر به البعض لتمرير رغبات شخصية تظلم متفوقين تحطمت أحلامهم على أجهزة الحاسوب الذي ابتلع طلباتهم ورماها للمجهول.
مقولة أخيرة، لمن كان يتندر على الملف العلاقي الأخضر، عليه أن يعتذر لهذا الملف فهو ذو شفافية وصدق أكثر من التقديم الإليكتروني.
أقله أنه كان بمقدوره أن يعرف مصير طلبه، عوضاً عن انتظار بارقة أمل ابتلعها حاسوب بفعل فاعل.