الحوار هو تبادل رأي واستعراض معلومات بين طرفين. قد لا يتعدى الحديث اليومي المعتاد عن حالة الطقس, أو صحة جار مشترك, أو نتائج المباراة الرياضية بين فريقين؛ أو يتطرق إلى ما هو أبعد كتبادل الحديث في ما يهم من المستجد الثقافي أو العلمي أو الوضع المجتمعي أو السياسي.
والحوار الناجح البناء هو ما يتسم بالحيادية وتكون محصلته استفادة معرفية للطرفين, أهم نتائجها الفعلية هي التقارب؛ وبالتالي التقبل, والتعاون على بناء وإضافة المزيد من المعرفة المفيدة في مجال حياة مشتركة.
الحوار البناء بهذا التعريف هو أساس التعامل المقبول بين طرفين أو أكثر بهدف التعاون لبناء مستقبل مشترك أفضل للجميع.
لا ينجح حوار في وجود «التعصب».
و«التعصب» ببساطة هو التحيز لرأي حول موضوع مختلف عليه, يقود إلى موقف مسبق يقصي أو يجرم كل طرف آخر يخالف هذا الرأي.
وبوجود «التعصب», يتدهور الحوار بين الأفراد وبين الفئات, من تبادل المعرفة إلى تبادل «رجم الآخر» ماديا ومعنويا لإسكات رأيه.
ويتحول النقاش الإيجابي إلى جدال عقيم أو تقصد لئيم لا موقع فيه للسماح للآخر بالمشاركة في البقاء.
في الفترة الأخيرة أصبح الجدل المتعصب سمة من سمات المجتمع القريب والبعيد، ومدخلا واسعا لتجريم الآخر حد الإقصاء. وأمست تهم التكفير والتخوين تفاعلا يوميا يمارسه الكبار والصغار في كل موقع, كما لو كانوا يمارسون التعبير عن مشاعر وانفعالات عادية متوقعة ومبررة. المحزن أنهم يلتهون به عن الأهم في التزامات الحياة العادية؛ بل قد يتحول إلى استفزاز لطرف, واستنفار لطرف ينتهي بمعركة فعلية.
لا ينجح أي حوار يكون فيه التعصب قيمة يعتنقها ويؤمن بها أي من الأطراف أو كلها. وإذا عُبر عنه علنيا, مدعوما بتهم تشخصن خلاف الرأي والفكر، وتصعّده إلى استثناء من نخالفه الراي من استحقاق الانتماء, وإقصائه من الملة, وتكفيره وتحليل قتله، أو تخوينه واتهامه في ولائه وانتمائه ومواطنته يمسي كل يؤطر الآخر بأنه ملوث الفكر لا يستحق ثقة الانتماء أو حق حماية البقاء. وينتهي التصعيد الإقصائي بتصدع في لحمة الوطن والمجتمع.
وإذا تحول الفكر إلى فعل سلبي ومهاجمة فئوية مشخصنة، يستعدى فيه الآخرون المتفقون على «غيرهم», فالنتيجة تنافر واستنفار قد يولد ردود فعل عدائية وعدوانية في كل الأطراف المعنية.
هذا فعل هادم : يهدم المجتمع بنخره من الداخل؛ وإذا ما تسيس تحت شعارات مدعومة دينيا أو إيديولوجيا ينتهي بسفك الدماء أو الخروج لقتال «الآخر» حتى خارج الحدود. وكان يمكن أن يكونا - لولا الاستنفار والتصعيد- طرفين متعايشين بسلام.
مع الأسف، التعصب قيمة يعتنقها بعض أفراد المجتمع, وينشئ أولاده على ممارستها، بتشجيع مبني على أن موقف المناصرة لا يعتمد على تمحيص الصحيح من الباطل, بل يعتمد على انتماء مشترك مع صاحب الرأي أو الفعل.
وقد يكون التعصب للنادي الرياضي الذي يشجعه أو للأسرة أو للحارة أو للقبيلة أو للمذهب أو للعقيدة, بغض النظر عن صحة تفاصيل ما يدور حوله الحوار..
وغالبا لا يأتي التعصب إلا بنتائج سلبية أو حتى كارثية. حمانا الله من الكوارث ومن بجهله يساهم في حدوثها.