يقول الإمام أحمد -رحمه الله- لو رأيتموني في صفوف التتار والمصحف فوق رأسي فاقتلوني.
لم تشهد الأمة العربية تحديداً حالة من الحرب الفكرية مثلما تشهده اليوم، وأصلها الإسلامي كذلك يعيش حالة من اللا استقرار في كثير من دوله.
حرب فكرية ليست محاطة بدفتي كتاب، ولكنها بكل أسف محاطة بأشلاء الرجال والنساء والأطفال.
فكر يدعي إسلاميته وهو في واقعه تخريبي إجرامي وأن رفع رايات إسلامية.
للعلماء في مسألة الفكر أو ما يسمى (الفكر الإسلامي) آراء صريحة وواضحة كونه يتعارض مع أسس هذا الدين، هذا الدين غير القابل للتبديل والتغيير حسب الأفكار البشرية القاصرة.
يقول الإمام محمد بن عثيمين -رحمه الله- (كلمة فكر إسلامي من الألفاظ التي يحذر عنها إذ مقتضاها أننا جعلنا الإسلام عبارة عن أفكار قابلة للأخذ والرد).
ويقول الشيخ المحقق بكر أبو زيد -رحمه الله- (كيف يصح أن يكون الإسلام ومصدره الوحي (فكرًا)، والفكر هو ما يغرزه العقل، فلا يجوز بحال أن يكون الإسلام مظهرًا من مظاهر الفكر الإنساني! فالإسلام بوحي معصوم والفكر مصدره العقل وليس معصومًا).
والمشاهد الآن أن جميع الخلافات والاختلافات مصدره فكر وليس علماً شرعياً مؤصلاً، فصار العلماء الضلال الذين ينهلون من مدرسة الفكر، هذه المدارس التي كانت في زمنها تحمل من الخطأ شيئاً كثيراً، وهي اليوم تضاعف من هذه الأخطاء كون من تبنوها لا يرقون وفكر من أنشأوها، فحصل ما حصل من هذا التطاحن وهذا التقاتل بين المسلمين، الذين يركنون في حروبهم وقتالهم إلى ركن هاوٍ اسمه
(فكر) وليس كتاباً ولا سنة.
ولمفتي الديار السعودية كما كان يطلق, عليه العلامة محمد بن إبراهيم -رحمه الله- قول يوزن بالذهب في هذا الموضوع إذ يقول (أوصوا الناس بالعلم فإنّ العلم يجمع وإنّ الفكر والثقافة تفرق) وهذه هي حالنا بكل أسف اليوم إذ بات الجميع يتكلم في قضايا الأمة الكبرى، فلم تعد المسألة مقتصرة على العلماء، بل باتت الأبواب مشرعة للجميع، مفكرين وكتاب وصحفيين بل وعوام الناس، حتى صارت مقولة.. ما دمت أملك عقلاً فمن حقي أن أفكر وأقرر!! وهذا بكل تأكيد من أشد الأخطار التي تحيط بالأمة، عندما يكون تقرير مصيرها ناتجا عن (أفكار) وليس عن ثوابت قررها العلم والعلماء الراسخون.
لعل الجميع يتذكر عندما كانت حرب الخليج الثانية من قرر أن يكون للقوات الأجنبية تواجد على أراضي هذه البلاد؟ كان قرار الملك فهد الذي استند على قرار هيئة كبار العلماء برئاسة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمهما الله- إذاً كان القرار السياسي مستنداً على قرار شرعي وليس فكرياً، وهنا تتجلى قوة القرار وأهميته، فلو نظر في القرار هيئة فكرية لكان الشقاق والفرقة المؤكدة، ولكن كونه قراراً شرعياً من هيئة شرعية كان حاسماً وقوياً وفي نفس الوقت مرضياً للجميع.
إن التطاحن الذي تشهده أكثر من أرض عربية ما هو إلا بسبب هذه الأفكار المدعية إسلاميتها وهي تجوب كل آفاق الدنيا إلا آفاق الشريعة السمحة فهي منها براء، وإلا ماذا نسمي ما يحصل من قبل (داعش) على أرض الشام؟! تقتيل وتشريد وتمثيل لمسلمين بعضهم عُزل!! ماذا نسمي ما يحصل على أرض العراق؟ ماذا وماذا وماذا، شواهد مخزية لفكر منحرف يدعي الإسلام ويرفع راية الجهاد.
أختم هذه المقالة بدعوة من يهمهم أمر السلامة الفكرية لأجيالنا بأن يتبنوا حملة فكرية تصحيحية شعارها {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وإن في الفكر لشرك علمه من علمه وجهله من جهله، فهل من عودة إلى شريعة الله منهج حياة وراية جهاد؟ جهاد الشريعة لا جهاد الفكر والرأي.
والله المستعان.