في رواية (بريد تائه) تأليف قمر الزمان علوش جزء يحكي معاناة المتقاعد..
قبل أربعة أشهر كان أدهم يعيش ما يمكن وصفه بالحالة المنتهية.. فقبل عام أحيل إلى التقاعد بعض أربعين عاماً من العمل المتواصل في مركز بريد وتلغراف البلدة. ولم يعد هناك ما يربطه بذاك المبنى القديم سوى بعض زيارات المجاملة التي يقوم بها لزملائه القدامى في المصلحة بحجة معلنة للاطمئنان على سير العمل في المركز، بينما يقوم بها في الحقيقة بدافع الحنين وليتغلب ولو قليلا على حلقة الفراغ الموحشة لعله يعيد عجلة الزمن إلى الوراء عندما كان لا يستطيع تصور نفسه إلا في غرفة مبرقة التلغراف يرسل أو يتلقى البرقيات أو خلف طاولته المكتظة بالرسائل والطوابع والأختام البريدية وأمامه حشود لا تنقطع من الزوار والمراجعين مثله مثل جميع المتقاعدين من موظفي الدولة، احتاج إلى زمن لاستيعاب الصدمة.. يخيل إليهم أنهم في الوقت الذي باتوا فيه يتمتعون فيه بنضوج خبراتهم المهنية واطلاعهم الواسع على خفايا العمل ودقائقه يتم اعفاؤهم من خدماتهم والقائهم داخل بيوت لا عمل لهم فيها سوى الهضم والتنفس والتأقلم العسير مع ساعات الوحدة الأليمة.