مع احتدام الصراع بين فريقَي النصر والهلال، ورغم نزاهة صراعهما في أرض الملعب، وشرف التنافس بينهما، إلا أنه ظهرت كوارث اجتماعية محزنة، خلفها هذا التنافس بينهما. ولن أتحدث عن العنصرية والشتائم، والتقاضي، وهل هذه اللفظة عنصرية أم لا، وهل هذا البرنامج الرياضي محترم أم لا؟ معظم هذه الأمور كنت قد ناقشتها في مقال سابق في هذه الزاوية.
ما يقلق هو كيفية تعامل الكبار وأولياء الأمور والتربويون مع قيمة التنافس الشريف، والتأكيد عليه فقط في الملعب، وتقبل النصر بتواضع، والتعامل مع الهزيمة بابتسامة، لا بالبكاء المر والحرقة، خاصة بالنسبة للأطفال؛ فقد انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لأطفال مشجعين، يرتدون قمصان فرقهم المفضلة، ويتلوون على بطونهم من شدة البكاء والحزن على ضياع بطولة، فمن غرس فيهم هذا التعصب الأعمى؟ وإلى أين سيقودهم هذا التعصب حينما يبلغون سن المراهقة؟ هل سيدخلون في صراعات تتجاوز البكاء والملاسنة؟ هل سيتصارعون بينهم، ويصبح العنف الجسدي هو اللغة المشتركة بينهم؟
هذه المقاطع المحزنة لأطفال يتقطعون من حرارة البكاء والحزن لم تأت من فراغ، بل كانت بذرة تأجيج، وتربية مغلوطة، جاءت من البيت والمدرسة. هناك آباء، وإخوة وأخوات كبار، ومعلمون، لم يكرسوا التنافس الشريف، لم يُفهموا هؤلاء الأطفال أن الكرة، والرياضة عموماً، مجال رحب للتنافس الذي يجلب المزيد من التميز، لا الذي يجلب المزيد من التناحر، كما هو حاصل الآن!
كيف يمكن أن يرتدي محبو هذا الفريق قمصان الفريق المنافس؛ وذلك لتخفيف حدة التعصب الرياضي. كيف نتعلم وقت الهزيمة تهنئة الفريق الفائز؟ وكيف نتعلم وقت الفوز تقديم الأمنيات للفريق الخاسر بلقاءات ناجحة في المستقبل؟ كيف يمكن أن نتواضع عند الفوز، وأن نبتسم للفريق الفائز؟.. هي تقاليد وعادات نقوم بها، ونعتاد ممارستها؛ كي يصبح التنافس رائعاً، وألا تصبح نتيجة المباراة وأحداثها شغلنا الشاغل، لأيام وليال، بل يجب أن ينتهي الحدث بعد المباراة فوراً، وأن ننصرف إلى شؤوننا الحياتية اليومية.
كثيراً ما كانت نتائج المباريات مؤثرة على الطلاب والموظفين، لدرجة أن يتغيب هؤلاء عند الخسارة عن مدارسهم وأعمالهم، وكأن نهاية العالم تتوقف عند مجرد لعبة كرة قدم، وذلك لم يأتِ إلا بسبب التلاسن والتناحر والشتائم بين هؤلاء، وانتقل هذا الجدل العقيم إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وصحب ذلك إساءات بذيئة، وخلافات واسعة بين الأصدقاء، وبين الإخوة، ازدادت مع توافر هذه الوسائل.
أذكر أن جاري في حي العليا كان مهندساً من كوريا الجنوبية، وذلك زمن التسعينيات الميلادية من القرن الماضي، وكان يخجلني حينما يجتاز منتخبنا الوطني منتخب كوريا الجنوبية في مباراة مصيرية، حينما يطرق بابي بعد المباراة بساعة أو أكثر، وهو يحمل معه (تورتة) بالأخضر والأبيض مكتوباً عليها عبارات التهنئة، ويسلمها لي مباركاً بالفوز، وعلى ملامحه ابتسامة جميلة ومتواضعة.
هكذا كان يجب أن تصبح العلاقة بين المتنافسين، حباً واحتراماً وتقديراً، وأن ينتهي الصخب والفرح والحزن عند صفارة الحكم!