قلّ أن نجد بلداً عربياً واحداً؛ معافى من فتنة إخوانية تعصف به، ومن تناحر بين أبنائه وفئاته، بسبب التحزب الحركي الذي أبدعت فيه جماعة الإخوان المسلمين منذ ظهورها سنة 1928م، فأصبح نهجاً لأتباعها وفروعها في الأوطان العربية، سواء تلك المعلنة منها؛ أو التي تعمل في السر،
وتنتظر اللحظة المناسبة، للانقضاض على الحكم، وتسيد المشهد السياسي، كما حدث في مصر عقب تنازل الرئيس محمد حسني مبارك، إلى أن استيقظ الشعب المصري، فانتصر على نفسه لنفسه، وقطع اللحمة الفاسدة من جسده.
لم يكشف عوار جماعة الإخوان المسلمين مثل الجماعة نفسها، ولم يفضح أكاذيبها وتدليسها على العرب والمسلمين؛ مثل أعمالها الإجرامية والإرهابية والتخريبية طيلة ثمانين سنة مضت، فهي لم تتوانَ عن استخدام العنف المسلح من أجل تحقيق أهدافها، حتى ولو أدى هذا إلى سفك الدماء، وقتل الأنفس، وإرهاب الناس، واستخدمت القتل والتخريب ضد الشعب المصري منذ تأسيسها إلى الآن، فأسست فرقاً خاصة ارتكبت عدداً من الاغتيالات السياسية والعمليات الإرهابية، منها اغتيال القاضي الخازندار باشا سنة 1948م، وحرق كنيسة السويس في 1952م، والتمثيل بجثث الأقباط، وتدبير حادث المنشية لقتل الرئيس جمال عبد الناصر، مروراً بانبثاق الجماعة الإسلامية عنها، التي مارست كل أشكال الإرهاب، ومن أشهر عملياتها مذبحة البر الغربي بالأقصر1997م، حيث قتل 58 سائحاً و4 مصريين، واغتيال الرئيس السادات1981م. وفي فترة حكم مرسي؛ مدت يدها لفروع لها في القاعدة وحماس تمارس التفجير والقتل، فتحالفت معها، وأطلقت يدها في سيناء، للقيام بعمليات إرهابية ضد أهداف عسكرية ومدنية، وكان القيادي بالجماعة صفوت حجازي، اعترف ضمنيا بمسئولية الجماعة عن تلك العمليات بتصريحه: (عودة مرسي للرئاسة تعني توقف العمليات الإرهابية في سيناء).
وفي كل قطر عربي تقريباً، هناك جماعات فرعية؛ معلنة كما في الأردن وفلسطين واليمن وسوريا وتونس والسودان، أو متخفية كما في أقطار أخرى، وهي تدور في ساقية الجماعة الأم في مصر، فتعمل وتتحرك بتوجيه منها ومن مرشدها، وتجمع الأموال لها، وتنشط ثقافياً وإعلامياً واجتماعياً بهدف غرس المزيد من بذور الفكر الإخواني المبني على تكفير المجتمعات الإسلامية بالعموم، وتكفير حكامها، والعمل بكل قوة من أجل الثورة على هذه الحكومات، وإلغاء الدولة القُطرية، وتأسيس الدولة الأممية.
لقد استطاعت الجماعة التأثير على كثير من مراكز القرار في أوطان عربية كثيرة، ووصلت إلى الرأي العام في بلدانهم من خلال الكتاب والإذاعة والتلفاز، وأصبحت حاضرة بممثلين منها، وبأتباع منضوين تحت لوائها، وانبثقت عنها جماعات كثيرة تؤمن بفكرها، وتنهج نهجها، وتدور في حلقتها، مثل تنظيم القاعدة برئاسة الهالك ابن لادن ونائبه الهالك من بعده الظواهري، وحماس الفلسطينية في غزة، وفصائل قتالية متشظية في عدة بلدان حتى غير عربية، لكنها لا تخرج عن (ولاية مرشد الإخوان) في مصر، حيث الثقل العددي والمالي والفكري، ومنشأ الجماعة.
اللغة الدينية التي يصل بها الإخوان إلى وجدانيات الآخرين، هي لغة مركبة وحمالة أوجه، ولا تتصادم عادة مع نفسية وحياة كل مجتمع، فهي مرنة وسهلة مع المجتمعات المصرية والتونسية والمغربية والشامية، لكنها صلبة وجافة مع غيرهم في الخليج والجزيرة العربية، ومتحضرة إلى درجة السفور مع مسلمي الأقطار الغربية والشرقية.
الدين في العمل الحزبي وسيلة لا غاية، وهذا هو الذي نجحت فيه جماعة الإخوان، وفشل فيه غيرها من جماعات إسلامية، وقد ظل الخطاب الديني في أيدي الإخوان في أقطار كثيرة عدة عقود، بسبب أسبقية مصر في التعليم، وبسبب سلاسة هذا الخطاب وما يظهره من معاداة للقومية العربية، ومن ادعاء مناصرة للدين ونصرة للمسلمين، إلى أن بدأ عدد من رموز الجماعة الكبار في الظهور وكشف المستور، فالشيخ الشعراوي رحمه الله؛ أظهر حقيقة مؤسس الجماعة حسن البنا وبقية الأعضاء المؤسسين، فعندما امتدح الشعراوي النحاس باشا، ثاروا عليه، وقال له حسن البنا: (إن النحاس باشا هو عدونا الحقيقي، وهو أعدى أعدائنا، لأنه زعيم الأغلبية التي تضايقنا في شعبيتنا، أما غيره من الزعماء وبقية الأحزاب، فنحن نبصق عليه وعليهم جميعا، فتنطفئ نارهم وتنتهي!).
ومن قادة الجماعة كذلك؛ الشيخ العالم محمد الغزالي رحمه الله، فهو كان يقول في أحاديثه وفي كتبه: (كنت خامس خمسة في المجلس السري لجماعة الإخوان، فاكتشفت أن سياستها تقوم على مبدأ واحد: قم لأقعد مكانك)..!
ومصر الدولة والمجتمع؛ انتصرت حقيقة لنفسها أخيراً من جماعة ثبت أنها تكفيرية وتخريبية وإرهابية، وقالت بشكل رسمي: (جماعة الإخوان جماعة إرهابية). ونحن نعرف أن أذرعة هذه الجماعة الإرهابية تمتد إلى أوطان عربية كثيرة، تثير فيها الفتن، وتنشر المحن، وتغرس الفكر المتطرف، وتبني لنفسها أمجاداً باسم الدين، وتستغل مؤسساتها الخيرية ومصادرها المالية، وجاء الوقت الذي تُستأصل فيه شأفتها بالكامل، وتعلن دول الخليج واليمن والأردن وسورية وخلافها، أن هذه الجماعة: (جماعة تكفيرية إرهابية)، لا مكان لها في المجتمعات العربية، التي تعمل من أجل تثبيت أمنها، وترسيخ وحدتها، وبناء ذاتها، بعيداً عن الحزبيات البغيضة، والحركيات المريضة.