هنالك حكايات يمكنني سردها على القارئ - امتنانا لتجشمه عناء النظر إلى هذه الزاوية - لكنها غالبا تكون (مملّة)! من وجهة نظري بالطبع. وهنالك قضايا وموضوعات عن الناس، وقصص لدى أناس آخرين، كلها قابلة لأن تُحكى (نص صحفي) لكن المشكلة ليست بهذا الشكل!. إن الناس لم يعودوا هم الناس الذين عرفناهم منذ أزمنة من خلال تنميطهم في أيقونات (شجاع - بخيل - غني - جبان - سارق .. إلخ )
لكننا الآن فقدنا تلك الأيقونات بسبب صعوبة التواصل مع الآخرين. وبسبب اتساع الأمكنة. وبسبب كثرة ما هو مطلوب منا أن ننجزه خلال اليوم، وهو على قلته: شغل شاغل!. فتفكيرك به يجعلك تنسحب من جلسة حميمة مع صديق أو يؤدي بك إلى قيادة سيارتك بشكل سيئ إذ تصبح ردود فعلك شبه مغيّبة! والأسوأ من هذا - وهو أمر يحدث كثيرا - أن تكتشف بعد وصولك إلى البيت أنك نسيت شيئا يقول لك أهلك إنه أهم وأهم وأهم من جميع الأشياء التي تفتخر بأنك أنجزتها، وعندما تكون لديك الخبرة العريضة برغبة الزوجة وحتى الأولاد في خلق مناخ مضاد لك ستتجاوز قولهم إن ما نسيت هو: أهم وأهم وأهم من كل ما عداه. فتتجنب ملاسنة في الوقت الضائع. وستركز على أن ما ينبغي على الكاتب عمله، حين يلتزم بكتابة مادة معينة في زمن معين أن يتناسى دوما عامل الوقت - الزمن!. تلك لعبة مسلية فلنجرب أن نلعبها فربما نجد شيئا مفيدا.
في البداية قل لنفسك إن الكتابة ليست بالعمل السهل وإنها مهمة المبدعين والخلاقين!. ثم اطرح سؤالا استنكاريا (لماذا يحشر المبدعون والخلاقون في زاوية الزمن؟) و.. ستتداعى بعد ذلك الكلمات كنهر ٍ كالقول إن ما يقتل الفنان هو الارتباط بالزمن وضرورة لقاء أشخاص معينين في زمن معين ووو. وهنا تكون قد وصلت إلى أول الطريق الحقيقي للإجابات أو فلنقل - الاقتراحات - التي لن تدعك فريسة للحيرة ولن تسلمَك إلى قناعة اليأس. بل إنها ستكون مثلما لو أن حجرا ضخما ألقيَ في ماء راكد. إن الماء الذي كان راكدا يتحول إلى أشياء تتلاطم وتراها وكأنما تعاني قشعريرة الخطوات الأولى أي أن الذي حدث ليس على الصعيد الفيزيائي فحسب بل وارتفع إلى مجال المشاعر والأحاسيس، وهو مجال ليس من السهل الوصول إليه لكنه (وصول) ممكن!. سيقف في وجهك شخص أو (شيء) ويقول لك ما دمت تؤمن بشرط الإبداع ألا تلاحظ أنك تناسيته عندما قلت إن الناشرين يحشرونك في الزاوية؟! ما هو ؟ تتلخص علاقتك بالناشر كونه أبرم معك اتفاقا لتكتب و450 كلمة وبما أنك وافقت فإن ما ينبغي تعديله هو سلوكك الشخصي الذي يجعلك تتناسى أن مواد اليوم الفلاني تسلم إلى الصحيفة في الساعة الفلانية من اليوم كذا كموعد نهائي!. يتبقى أن أشير إلى أن هذه الحكاية تحدث دوما، وباستمرار. وبالطبع فلست في موقف اللائم للمبدع الخلاق - كما قال - لكنني في موقف ملتمس العذر له إن كتب يوما مادة غير جديرة بأن تجعلك تهتز حين تقرأها. فهو إنسان يخضع للكثير من الضغوط.
وتعَرّف الضغوط باعتبارها مصدرا للقلق ومثيرا للتوتر العصبي، وبما أن الكاتب الحقيقي يتعامل مع كتابته مثل تعامله مع إنسان يحبه ويحنو ويحرص عليه ويبالغ في تدليله، فإن المساس بالجملة العصبية للمبدع هو مساس (أثيم) بإحدى أهم تجليات الإنسان على الأرض. لكي نغلق الموضوع ينبغي ألا تظنوا أنني في موقف التبرير للنفس فهذه مهمة قام ويقوم بها مشكورا الأستاذ (خالد المالك) لأنه تمرّن طويلا وأعطى ويعطي كثيرا. وأنا حين أراسله أكتب دون تكلف (الزميل الكبير الأستاذ - خالد حمد المالك. رئيس التحرير المحترم) وأحسب أنها عبارة غير إنشائية واحسبوها كما تحسبون!