تحدثت عن المنهج السلفي النقي، وهو المنهج الذي سارت عليه هذه البلاد، منذ تأسيسها، وكتبت مرارا، وقلت إن مجتمعنا كان يعيش في سلام، ووئام، حتى داهمنا الإسلام السياسي، عن طريق الحزبيين الذين استضافتهم المملكة، قبل عدة عقود، بعد أن تم اضطهادهم في بلدانهم، وكان مجتمعنا قبل ذلك لا يعرف التصنيف، إذ كان هناك «المطوع»، و»الزقرتي»، ولم يكن هناك عداوات، أو صراعات بين هذا، وذاك، بل كانوا إخوة متحابين، ثم انقلب الحال، حتى أصبح تصنيف أي إنسان شرط ضرورة، وتم تشتيت المجتمع، وزرع العداوات بين أفراده، حتى أصبح الأب عدوا لابنه، والزوجة عدوة لزوجها، وخلال عقود من الحقن الإيديولوجي، سيطر أهل الدين المسيَّس على مفاصل بعض الأجهزة الحكومية الهامة، بناء على مخططات مسبقة، وبتنظيم محكم يصعب اختراقه، أو كشفه، خصوصا مجالات التعليم، والإعلام، والأجهزة المختصة بالشأن الإسلامي، والجمعيات الخيرية، وخلافها.
بعد الثورات العربية، وسيطرة الأحزاب المتأسلمة على الحكم في بعض بلاد الثورات، والدعم الغربي الواضح لها، كشرت خلايا الإسلام المسيس في الخليج عن أنيابها، ولم تكن المملكة بمعزل عن ذلك، ولأن الحركيين متغلغلون في كل المفاصل، فقد أعلنوها حربا لا هوادة فيها، من خلال جل المنابر التي اختطفوها منذ زمن، ومن ضمنها منابر المساجد، فمن يتابع خطب الجمعة، يلحظ أن بعضها تحول إلى خطابات معارضة صريحة، تعمل على بث الفرقة، وإثارة الفتن، وتسييس الدين، وإعلان المواقف السياسية الصريحة، وبدلا من أن يذهب المواطن إلى المسجد يوم الجمعة للراحة، والطمأنينة، كما كانت المساجد دوما، أصبح الإنسان يتحرز من حضور شعيرة الجمعة العظيمة في مساجد بعينها، وذات الشيء يقال عن بعض الدعاة، والوعاظ الرسميين، والمتطوعين، إذ تفرغوا للخوض في القضايا السياسية المعقدة، لا انتصارا للحق، ولكن دفاعا عن الحزب الذي يوالونه، على حساب الدين، وأمن الوطن، وأخطر ما في الأمر هو محاربة المتأسلمين لمن يلتزم بالمنهج السلفي النقي، خصوصا في التعليم، والإعلام، والمؤسسات المسؤولة عن الدعوة، والإرشاد.
نتابع الأسماء التي تستضيفها الإذاعة، والتلفزيون الرسميين، ونرى رأي العين تهميشهما الكامل لعلمائنا الأفاضل من السلفيين الأنقياء، وتركيزهما على استضافة المتأسلمين، ولعل الجميع تابع ردود الفعل على الأمر الملكي الأخير، فقد تفاعلت معه وسائل الإعلام العربية، والعالمية أكثر من تفاعل إعلامنا الرسمي معه!!، وفي تقديري أن منابر الجمعة، وساحة الإعلام، وقاعات الدراسة، في التعليم العام، والجامعي جديرة بالمتابعة، فما لم يتم التعامل بحزم مع الحزبيين، فإننا سنظل ندور في حلقة مفرغة، ومع ذلك فإن التفاؤل يملؤنا بمستقبل مشرق لأجيالنا القادمة.