القول بخلق القرآن، واعتباره مخلوقاً مثل بقية المخلوقات، من الأقوال التي اختلف فيها أهل السنة والجماعة، وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل، مع فرقة المعتزلة، فيما سُمي حينها بفتنة القول بخلق القرآن. ومعروف أن قضية خلق القرآن من أخطر القضايا التي تمس العقيدة؛ وكان السلف -رحمهم الله- يعتبرونها فيصلاً لا يقبل النقاش يُميز مستقيم العقيدة مع من في عقيدته خلل. وغني عن القول إن مسائل العقيدة لا تقبل الاختلاف، ولا يسوغ فيها الرأي والرأي الآخر، لأنها من القضايا التي يعتبرونها (توقيفية)؛ أي التي يتوقف عندها الجدل وينتهي عند حدودها الاختلاف. يقول ابن تيمية - رحمه الله - واصفاً أهل السنة: (ولا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم وجمل كلامهم، إن لم تكن ثابتة فيما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بل يجعلون ما بعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه). فالعقيدة بذلك ليست (مذهباً) فقهياً وإنما ميزاناً نزن من خلاله عقيدة المسلم الحق الملتزم بمنهج أهل السنة والجماعة، وهي كذلك (الأساس) الذي تتفق عليه المذاهب السنية الأربعة رغم اختلافهم في مسائل الفقه مما يجوز الاختلاف فيها.
دعونا نطبق المعايير التي أشرت إليها آنفاً على كتاب (الإخواني) سيد قطب (في ظلال القرآن) الذي يعتبره الأخوان، وبالذات (القطبيين) منهم، إماماً من أئمتهم، لنرى أن اختلافنا مع هذه الفرقة ليس في التطبيقات السياسية فحسب، وإنما أيضاً هو اختلاف في العقيدة والأصول، التي لا يسوغ فيها الاختلاف.
سيد قطب من أقواله التي (نص) عليها في أكثر من موضع في كتابه الأشهر (في ظلال القرآن) يظهر بوضوح أنه (معتزلي العقيدة)؛ أي يقول بخلق القرآن؛ والدليل ما يلي: أولاً: يقول في كتابه (في ظلال القرآن) ما نصه: (والشأن في هذا الإعجاز - (أي القرآن) - هو الشأن في خلق الله جميعاً وهو مثل صنع الله في كل شيء وصنع الناس).
ثانياً: يقول عن الحروف المقطعة في القرآن، وعن الإعجاز في هذا الحروف: (ولكنهم لا يملكون أن يؤلفوا منها مثل هذا الكتاب، لأنه من صنع الله لا من صنع إنسان).
ثالثاً: وقال في معرض حديثه عن صورة (ص) ما نصه: (وهذا الحرف «صاد» يُقسم به الله سبحانه كما يقسم بالقرآن ذي الذكر وهذا الحرف من صُنعَة الله فهو مُوجِدهُ صوتاً في حناجر البشر). ويقول: (والفارق بين القرآن وما يصوغه البشر من هذه الحروف من كلام، هو كالفارق بين صنعة الله وصنعة البشر في سائر الأشياء، صنعة الله واضحة مميزة، لا تبلغ إليها صنعة البشر في أصغر الأشياء).
رابعاً: ويقول عن مجمل القرآن ما نصه: (إن القرآن ظاهرة كونية كالأرض والسماوات). أي أنه مخلوق من ضمن مخلوقات الله كالسموات والأرض.
وبعد؛ لا أعتقد أن من يقرأ مثل هذه المقولات يستطيع أن يدافع عن استقامة عقيدة هذا الرجل؛ فأهل السنة والجماعة على اختلاف مذاهبهم يجمعون على أن من يقول إن القرآن مخلوق فهو (معتزلي) الاعتقاد. وبالتالي فإن كل من أثنى على سيد قطب، أو جامله وجامل (مُتبعيه)، فهو واحد من اثنين وليس ثمة احتمال ثالث: إما أنه لم يقرأ تراث سيد قطب، وتحديداً كتابه الأشهر (في ظلال القرآن)، وهو هنا قد يكون معذوراً (بجهله)، أو أنه ممن يوافقه على ما يقول، ويقول هو أيضاً بخلق القرآن.. ولكن ماذا نقول إذا مدحه وأثنى عليه واحد من كبار مشايخنا وهذه خزعبلاته العقدية؟
إلى اللقاء