لا شك أننا شهدنا في الأعوام الأخيرة تطورات ملموسة في آلية طرح الأسهم للاكتتابات العامة، تضمنت تقليصاً كبيراً في المخاطر التي يتحملها المكتتبون الجدد، سواء كانوا مؤسسات مالية أو أفراداً، وهذا بالتأكيد يسجَّل لهيئة السوق المالية، إلا أن هناك مشكلات جديدة بدأت تظهر على السطح حتى أصبحت هذه المشكلات تمثل تحديات كبيرة يصعب مواجهتها، في ظل إصرار هيئة السوق المالية على التدخل المستمر في تحديد النطاق السعري لعمليات بناء الأوامر من طرف، وحماية متعهدي التغطية من طرف آخر.
فعند إعادة تنظيم الاكتتابات قبل أعوام عدة، وعندما كان متوسط تقييم أسعار الأسهم للسوق المالية السعودية نحو 12 مضاعفاً للربحية، كانت هيئة السوق المالية تتدخل بأن يكون النطاق السعري لعمليات بناء الأوامر قرب 10 مضاعفات للربحية؛ لتضمن نجاح طرح الأسهم الجديدة، ومن ثم نجاح إدراجها، وهو ما تحقق على أرض الواقع. إلا أنه بعد ذلك واصلت السوق المالية ارتفاعاتها حتى بلغت مستويات التقييم بها إلى ما يزيد على 16 مضاعفاً، بينما بقي النطاق السعري للطروحات الجديدة عند 10 مضاعفات للربحية، وكان من الطبيعي أن تكون النتيجة إقبالاً كبيراً جداً من المكتتبين؛ وبالتالي تخصيص ضعيف جداً للمكتتب الواحد!!
المشكلة ليست هنا فقط، بل تمتد إلى أنه عند أي إدراج لأي سهم جديد، تم تحديد سعره من خلال عملية بناء الأوامر، فإنه سيواجه مشكلة كبيرة، تتمثل في عدم احتساب الصفقات التي تتم في أول أيام إدراجه، وربما في أول أسابيع إدراجه؛ بسبب أن قيمة كل صفقة منفذة تقل عن الحد الأدنى لاحتساب الصفقات، المحدد نظاماً عند قيمة 15 ألف ريال!! فمثلاً مع إدراج سهم «أسواق المزرعة»، التي تم فيها تخصيص سهمَين فقط لكل مكتتب بقيمة 35 ريالاً للسهم الواحد، أصبح من المستحيل احتساب الصفقات المنفَّذة في أول أيام الإدراج. وللخروج من هذه الورطة كان أمام المنظمين إما الضغط على المؤسسات المالية للبيع بصفقات تزيد على الحد الأدنى، أو التنازل مؤقتاً عن «شرط» الحد الأدنى.
المهم أنه مع كل إدراج لسهم جديد في السوق المالية نجد أن هيئة السوق المالية تناقض نفسها بنفسها، من خلال إيجاد حلول تتعارض مع لوائحها كجهة تنظيمية ورقابية. وفي رأيي، الحل بسيط جداً، ويتمثل في عدم التدخل في تحديد النطاق السعري لعمليات بناء الأوامر، وترك آلية العرض والطلب بين المؤسسات المالية هي التي تحدد السعر العادل كما هو معمول به في جميع الأسواق المالية العالمية، إلى جانب تحميل مسؤولية تغطية الاكتتابات لمتعهدي التغطية، الذين يدركون جيداً حجم المخاطرة التي يأخذونها؛ وعليها قاموا بتحديد عمولات التعهد بالتغطية من حسابات الشركات المطروحة للاكتتابات، على أن يتم ذلك بعيداً عن المحسوبيات والمجاملات التي لن تنتهي أبداً.