في تقرير لجريدة الاقتصادية ترجمة عن الفايننشال تايمز عن محاربة الفساد بصفة عامة وجهود الدول المختلفة بما في ذلك جهود المواطنين التي تسبق جهود الحكومات في بعض البلدان، تم الإشارة عرضاً إلى موقع هندي عنوانه أنا دفعت رشوة (www.ipaidabribe.com ). الفكرة الرئيسة في الموقع هي أن يكتب الناس تجاربهم في دفع الرشوة أو مقاومة أو رفض دفع الرشوة وتتاح تلك المعلومات لوسائل الإعلام والجهات المتخصصة لمتابعتها وإبرازها وبذلك يكون المواطن الخط الأول في كشف الرشاوى. وقد بلغت التقارير أكثر من 24 ألف حتى كتابة هذا المقال. منها حوالي 18600 تتحدث عن رشاوى دفعت وحوالي 2000 عن رشاوى طلبت وتم رفض دفعها من قبل المواطنين و750 تقرير عن موظفين شرفاء رفضوا قبول الرشوة. ليس ذلك فقط، بل إن الموقع يحدد الرشاوى بالمدينة والدائرة الحكومية وحجمها المالي وغير ذلك مما يعتبر مؤشراً قيماً عن انتشار الرشاوى وأماكنها.
هذا التبليغ الاختياري مثله في المملكة ما يعرف بحساب إبراء الذمة وفيه يتبرع الشخص الذي يعتقد أنه حصل على أموال بطريقة غير مستحقة بإعادة تلك الأموال وإيداعها في حساب يحفظ سرية المعلومات لمن تبرع بإعادتها. لكنه حساب لا يكشف حجم الفساد والرشوة في قائمة أنواع الفساد بقدر ما يحاول إبراء ذمة من صحي ضميره وقرر التكفير عن ذنبه بإعادة المال غير المستحق. لذلك أقترح على هيئة مكافحة الفساد أو جمعية مكافحة الفساد الأهلية التي أطالب بإنشائها - سبق أن كتبت عن ذلك - التفكير في تأسيس موقع مشابه بالموقع الهندي وإتاحة الفرصة للناس للإبلاغ على ما يتعرضون له من مظاهر الفساد وبالذات الرشوة وجعل ذلك مكشوفاً أمام الملأ بحيث يقرأ الناس تلك البلاغات ويعلقون عليها.
طبعاً إنشاء الموقع لن يكون مشكلة من الناحية التقنية لكن المهم هو إيجاد إدارة تحريرية قانونية تتولى مراجعة البلاغات وتحريرها بحيث تحمي أصحابها قانونياً كأن تحافظ على سرية هوية الأشخاص حتى لا يتعرضوا لأذى وتتأكد من المعلومات الأولية حول البلاغ وصياغته قبل نشره.
وفي هذا السياق أؤكد على نقطة أِلمحت إليها أعلاه بالإشارة إلى جمعية مكافحة الفساد الأهلية. غالباً ما تكون الجهود الأهلية عادة مثمرة بشكل أفضل في كثير من الأمور. وفي مكافحة الفساد أعتقد أننا بحاجة إلى تأسيس هيئة أو جمعية أهلية لمكافحة الفساد كما هو موجود لدينا هيئة حقوق الإنسان وهيئة أواصر وهيئة حماية المستهلك وغيرها من الهيئات والجمعيات الأهلية ذات النفع. الجمعية الأهلية لمكافحة الفساد لن تكون مهمتها التحقيق أو التحويل للتحقيق كما هو الحال مع الهيئة الحكومية، لكنها ستكون أكثر فاعلية في مجال التوعية وفي مجال دعم جهود الهيئة الحكومية بتزويدها بالمعلومات الأولية وفي مجال إصدار تقارير شفافة حول حجم الفساد وآليات مكافحته، وغير ذلك من الجهود و المهام. بمعنى آخر لا خوف منها في منافسة أو إنقاص جهود الهيئة الحكومية لأنها ستكون مكملة لها وتتميز بالديناميكية التي لا تتوفر عادة في القطاع الحكومي.
الرشوة داء منتشر بأشكال مختلفة ومسميات مختلفة وتعبر أهم مفاتيح الفساد، سواء اعترفنا بذلك أم لم نعترف. إضافة إلى الجهود الرسمية لمكافحتها نحتاج إلى جمعية مكافحة فساد أهلية لمحاربتها ومحاربة كافة أشكال الفساد الأخرى.