جان كوم مؤسس شركة واتس أب مع زميله براين أكشن والذي باع شركته في الأسبوع الماضي لفيسبوك بتسعة عشر مليار دولار أي بأكثر من سبعين مليار ريال سعودي ينحدر من عائلة يهودية كما تعودنا دائما من مؤسسي أهم قنوات ووسائل الإنترنت كياهو وجوجل وفيسبوك وغيرها..
وحتى أحيانا كبار المسئولين التنفيذيين في هذه الشركات ينحدرون من أصول يهودية رغم نفيهم جميعا أي تأثير دياناتهم على سير عمل هذه الشركات.
هاجر كوم Jan Koum مع والدته من أوكرانيا إلى أمريكا واستقرا في ماونتن فيو في السيلكون فالي في كاليفورينا وعمره في السادسة عشر، واستطاع مع والدته أن يحصلا على مساعدات اجتماعية للسكن في شقة صغيرة، وعمل عامل تنظيف في إحدى المحلات التجارية الصغيرة، بينما كانت والدته تعمل عاملة منزلية. وكان والده يهم بالمجيء إليهم، ولكنه غير رأيه وبقي في بلده أوكرانيا. وبينما كان يدرس بجامعة سان جوز ستيت وجد فرصة عمل بشركة ارنست اند يونج، وهناك التقى بشريكه براين اكشن، ثم انضما إلى شركة ياهو واستمرا فيها إلى عام 2007م وقدما استقالتهما.
والمفارقة العجيبة جدا أنه في عام 2009م حاولا الانضمام إلى شركة فيسبوك للعمل بها، ولكن تم رفضهما، وبعد خمس سنوات فقط دخلا الفيسبوك من البوابة الأمامية وعلى بساط أحمر ودفع لهما الفيسبوك تسعة عشر مليار دولار، بما فيها تسعة مليارات دولار قيمة أسهم في شركة فيسبوك، وأصبح جان كوم عضوا في مجلس إدارة شركة الفيسبوك. وقصة واتس أب بدأت عندما اشترى كوم جهاز أي فون عام 2009م ولاحظ أن هناك فرصة لتطبيق فكرة كانت بذهنه، وناقشها مع زميل آخر له من الجنسية الروسية لساعات طويلة في أحد المطاعم، وخلال النقاش وضع جان كوم الاسم واتس أب، والتي تعني عند ذكرها What›s up بالإنجليزية وهي ما الجديد؟ وهو مصطلح معروف باللهجة الأمريكية العامية. ثم سجل اسم شركته في كاليفورنيا. وانضم له شريكه براين أكشن وهو خريج جامعة ستانفورد في تخصص حاسب.
وعند التوقيع على مذكرة بيع واتس أب بين المؤسس كوم وشريكه براين وأحد المستثمرين الداعمين للشركة للموافقة على البيع لفيسبوك، أراد كوم أن يكون التوقيع في مكان رمزي له شخصيا، فأخذ رفقاءه إلى مكان أمام المكتب الذي كان وهو صغير ينتظر مع صفوف من المحتاجين لتلقي كوبونات الأكل food stamps وهي عبارة عن دعم من الحكومة للفقراء والمحتاجين. اختار هذا المكان في إشارة إلى الانتقال الذي أحدثته السنوات من مجرد شخص يعد عالة على المجتمع إلى ملياردير حيث تصل ثروته الآن إلى حول سبعة مليارات دولار أمريكي. ويتذكر دائما جان كوم منزلهم الصغير في أحد أرياف كييف العاصمة الأوكرانية، التي لم يكن يملكون فيها وسائل تدفئة للمياه في عز البرد والثلوج. وكان كوم قد فقد والده عام 1997م وبعده بثلاث سنوات فقد والدته التي كانت خير معين له في هجرته إلى أمريكا.
واليوم وعند بيع شركة واتس أب سجلت الشركة أكبر نجاح لخدمة الرسائل المجانية والتي لا تحمل أي إعلانات مفروضة على مستخدمي خدمة التواصل، عدا دولار واحد فقط سنويا من كل مستخدم هي قيمة الإيراد الوحيد من هذه الخدمة. واليوم لدى واتس أب أكثر من أربعمائة وخمسين مليون مستخدم في كافة دول العالم، ووصلت عدد الرسائل التي يتم بثها عبر هذه الوسيلة إلى رقم قياسي عام 2013م ببث سبعة وعشرين مليار رسالة في يوم واحد، وإذا أخذنا أن بعض الرسائل قد تصل لأكثر من مستخدم واحد فيكون عدد الرسائل التي يمكن أن يتم استقبالها إلى حوالي أربعين مليار رسالة يوميا. وهذه أرقام مخيفة ولكنها استثنائية لمثل هذه الخدمة المجانية. واستطاع واتس أب أن يضرب شركات الاتصالات التي تقدم خدمات الرسائل القصيرة sms وكلفها خسائر بمليارات الدولارات سنويا، حيث فقدت عملاءها بشكل حاد بعد استحداث خدمة الواتس أب. وكان العالم قد افتقد أهمية خدمة الواتس أب الأسبوع الماضي عندما توقفت الخدمة، وسببت إرباكا كبيرا لدى عامة الناس، ولكن سرعان ما عادت الخدمة مجددا، وكأن فيسبوك أراد أن يقول ها أنا موجود.. انتظروا..
وربما السؤال المهم في صفقة فيسبوك-واتس أب هو ماذا تريد فيسبوك من واتس أب رغم أن إيرادات واتس أب للعام الماضي وصلت فقط إلى حوالي عشرين مليون دولار في صفقه كلفتها تسعة عشر مليار دولار..؟ هناك جدل كبير حول أهداف فيسبوك من هذه الصفقة الأغلى في عمر تقنيات الإنترنتت، ولكن المؤكد أن وجه الواتس أب سيتغير إلى الأبد، لأن هناك من يرى أن فيسبوك ستحول مضامين الرسائل والصور التي يتم تداولها إلى شبكة تجسس على الأفراد، مثلما سمحت عبر حسابات الفيسبوك بالتغاضي عن الخصوصية لصالح مؤسسات سياسية واستخباراتية وشركات اقتصادية. فهل أراد الفيسبوك أن يتعامل مع الواقع في الواتس أب بدل الافتراضي كما الحال في الفيسبوك؟ أو هل يأتي ذلك ردا على تداعيات ما أحدثه تقرير جامعة بريستون (مقالي في الأسبوع الماضي) والذي توقع أن تفقد فيسبوك أكثر من ثمانين في المائة من حساباتها خلال السنوات القادمة (بين عامي 2015- 2017)؟ وهل ما ذكره تقرير برنستن هو حقيقي ومتوقع ويمكن أن يحدث انهيارا في شركة عملاقة مثل فيسبوك؟ ولهذا فالخيارات تصبح أن يبحث عن الواقعي الموجود في واتس أب، لأن جميع المشتركين هم أشخاص حقيقيون بأسمائهم وأرقام هواتفهم؟؟ الفترة القادمة من شأنها أن تجيب على الكثير من استفسارات الناس وأهداف هذه الصفقة الغامضة..