أوصى «إعلان الرياض» الصادر عن المنتدى العربي الثاني للتنمية والتشغيل - نحو حماية اجتماعية وتنمية مستدامة، الذي اختتم أعماله البارحة في العاصمة السعودية الرياض باعتبار مفهوم التحالف والتضامن العربي من أجل التشغيل والحدّ من البطالة في ضوء الواقع الراهن لكل الدول العربية منفردة ومجتمعة مبدأ ومنطلقا يكتسي صبغة الدفاع الوقائي بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والأمنية لترسيخ السلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي، وأن العمل حقّ للجميع بدون تمييز مهما كان نوعه باعتباره شرطا من شروط صون الكرامة وركنا من أركان المواطنة والمشاركة الفاعلة، ورافعة من روافع التنمية وهو ما يساعد على تأسيس روابط اجتماعية كفيلة بمعالجة الفجوة الاجتماعية والفجوة بين الأجيال.
كما دعا الإعلان إلى التقليل التدريجي في استخدام دعم السلع كأداة للحماية الاجتماعية والتحول إلى استهداف الفئات الأكثر فقراً مباشرة، وإجراء إصلاحات على برامج الدعم الشامل للوصول إلى برامج شبكات الأمان الاجتماعي المستهدفة من خلال إنشاء سجلات موحدة للمستفيدين بحيث يمكن استخدامها لاستهداف برامج متعددة وتعزيز تقديم الخدمة المنشودة، وإعادة هيكلة الإعانات المدعومة بما يحقق استفادة الفئات الأقل دخلا.
وأقر المشاركون في المنتدى، الذي عقد برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله، وبترتيب وتنظيم منظمة العمل العربية ووزارة العمل بالمملكة والبنك الدولي، بعد مشاورات ومناقشات موسعة «إعلان الرياض» الذي يمهد الطريق لتفاهمات متبادلة للحماية الاجتماعية والتنمية المستدامة ودورها في بناء منهج شامل ومتكامل للتنمية، كما يسلط الضوء على الدور الهام الذى يضطلع به التشغيل والحماية الاجتماعية في تطوير المجتمعات العربية.
ووفق إعلان الرياض، فإن المشاركين توصلوا إلى مجموعة تفاهمات انطلاقا من الالتزام التّام بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية المنبثقة من معاني القيم الإسلامية المتمثّلة على وجه التحديد بأحقية العمل والضّمان الاجتماعي والعيش الكريم والتنمية المتوازنة والمستدامة في أشمل معانيها والتي يمثّل الإنسان فيها الوسيلة والغاية معا، والتركيز البالغ بخصوص الارتفاع المتزايد لمعدّلات البطالة وتفاقمها في الدول العربية التي طالت مختلف شرائح المجتمع وخاصّة الداخلين الجدد على سوق العمل، والاهتمام بما تشهده المنطقة العربية من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الناتجة من تبعات مشكلات البطالة والتشغيل وتوفير فرص العمل ولاسيما المتعلقة منها بالشباب. كذلك تأكيد على أهمية الإدراك أن معضلة البطالة شأن يخص كل دولة على حدة، كما أنه شأن عربي أيضا، وأن معالجتها تتطلب أهتماما خاصا ومزيداً من التعاون العربي، وأن موضوع دعم التشغيل والحد من البطالة والفقر يتطلب تضافر كل الجهود وتعبئة كلّ الطاقات العربيّة من حكومات ومنظّمات أصحاب العمل ومنظّمات العمّال ومختلف الوزارات ذات الصّلة والمؤسّسات المالية والاقتصادية في إطار شراكة عربية حقيقية. كما جاءت مفاهمات المشاركين انطلاقا من استلهامهم للقيم الإسلامية السّمحة المحفّزة على التكافل والتآزر لمواجهة ما يترتب على استفحال ظاهرة البطالة ما لم يتم السيطرة عليها، وأهمية استثمار القرارات الصادرة عن الاجتماعات العربية رفيعة المستوى، استنادا بثقة وقوّة إلى القرارات السياسية لقادة الدول العربية في القمم الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، لتحقيق الأهداف المشتركة فيما يخص قضايا البطالة والتشغيل ومكافحة الفقر باستهداف خلق فرص العمل اللائق فى المنطقة العربية، مع تركيز خاص على قضايا الحماية الاجتماعية تعزيزا للعدالة والسلم الاجتماعيين، وكذلك متطلبات التنمية المستدامة.
وهنا، أكد «إعلان الرياض» إقرار المشاركين في المنتدى 29 مبدأ لمعالجة مسببات ما تشهده وضعية سوق العمل من البطالة المرتفعة التي ازدادت تعقيدا، وبما يتواكب مع التطورات التي شهدتها عدد من دول المنطقة العربية والوقوف أمام متطلبات التنمية المستدامة ودعم الحماية الاجتماعية، أبرزها إقرار جعل التشغيل هدفا مركزيا في السياسات الاقتصادية والاجتماعية وفي سياسات الموارد البشرية وفي الخطط والبرامج التنموية على المستويين الوطني والعربي وضمان تكافؤ فرص التشغيل والتدريب والتأهيل بشفافية دون أي تمييز، العمل على تقليص معدّلات البطالة والفقر على المستويين الوطني والعربي تنفيذا لأهداف العقد العربي للتشغيل 2010 - 2020 وتوسيع مشاركة الشباب والمرأة وذوي الإعاقة في التنمية الاقتصادية وتضييق فجوة البطالة الواسعة بين المناطق داخل الدّولة الواحدة، وبين الدّول العربية بما يساهم في تأمين شروط التنمية المتوازنة واستدامتها وتعزيز التماسك الاجتماعي، والتوسع التدريجي لأنظمة الضّمان الاجتماعي بمختلف مستوياته وفروعه من تغطية اجتماعية وصحيّة وتأمين ضد البطالة والشيخوخة في القطاعين المنظّم وغير المنظّم وفق الظروف وإمكانات كلّ دولة.
وأوصى الإعلان بالارتقاء بأداء منظومة التعليم والتدريب المهني والتقني والرّفع من جودة مخرجاتها في إطار شراكة مع القطاع الخاص لتحقيق المواءمة بين مخرجاتها واحتياجات سوق العمل، السّعي إلى دفع العمل المستقل ودعم روح المبادرة وثقافة الريادة ورعاية الباحثين عن عمل وتبنّيهم بما يمكّن من توسيع القاعدة الاقتصادية وتوليد فرص العمل، والتأكيد على ضرورة الارتقاء بمنظومة البحث العلمي بالدول العربية كمدخل لتحقيق التنمية المستدامة المبنية على اقتصاد المعرفة كوسيلة لزيادة فرص العمل. كما شدد على تكريس الحوار الاجتماعي على المستويين الوطني والعربي كأداة للحوكمة الرّشيدة لسوق العمل وعلاقات العمل والسعي للتأقلم مع المتغيّرات الاقتصادية والاجتماعية وحسن الإدارة للأزمات الناتجة عنها بما يضمن مصالح أطراف الإنتاج، دعم إنشاء وتفعيل المجالس الاقتصادية والاجتماعية بالدول العربية وضمان مشاركة الأطراف المعنية من ممثلي الحكومات ومنظمات أصحاب العمل والعمال وممثلي المجتمع المدني بما يعزر الحوار الاجتماعي على المستوى الوطني، ويرفع من المشاركة العربية على المستوى الدولي، والإعداد الأمثل للموارد البشرية لتوفير المهارات الفنية التخصّصية والكفاءات بما يستجيب لاحتياجات المؤسسات الاقتصادية ويـؤمّن متطلّبات الباحثين عن العمل.
ومن المبادئ التي تضمنها «إعلان الرياض»، إقرار المشاركين على أن القطاع الخاص قاطرة النمو الاقتصادي وأحد المصادر الرئيسة للتشغيل والتنمية، مؤكدين لتحقيق هذه الغاية على العمل مع القطاع الخاص من أجل التأكيد على دوره كأحد أكبر مقدمي فرص العمل وذلك من خلال تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي مع تغيير دور الحكومات من مجرد تقديم فرص العمل إلى تحسين مناخ الاستثمار والخدمات الاجتماعية، العمل على تطوير التشريعات وتبسيط الإجراءات من أجل توفير أطر عمل شفافة، والسعي إلى تشجيع إنشاء المزيد من الأعمال وفتح باب المنافسة التجارية، وفي ذات الوقت العمل على إجراءات تعديلات على تشريعات حماية العمال لتشجيع تنقل الأيدى العاملة، إلى جانب التأكيد على الحاجة إلى ترشيد التشغيل في القطاع العام، وإعادة تنظيم شروط التشغيل في كل من القطاعين العام والخاص، وتقليل الفجوة في الأجور والمزايا بين القطاعين العام والخاص لتعزيز دخول الشباب للقطاع الخاص.
كما أكد الإعلان على أهمية الدور الذي تؤديه المرأة في سوق العمل والتأثيرات الإيجابية لمشاركتها على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية من خلال تشجيعها الدائم على المشاركة وإيجاد المناخ الملائم لها وإيجاد بيئة العمل المناسبة واللائقة لها. وأيضا التأكيد على حق ذوي الاحتياجات الخاصة في العمل وأهمية وضع سياسات خاصة برعايتهم وتأهيلهم وتشغيلهم بما يمكنهم من أداء دورهم المنتج فى المجتمع، والعمل بصورة مستمرة على توعية الفرد بأهمية تنمية مؤهّلاته ومهاراته باستمرار عبر التدريب المستمر مدى الحياة المهنية لضمان قيمته المضافة وقدرته التنافسية بما يؤمّن موقعه صلب المؤسسة أو خارجها، فالتشغيل المستدام أصبح مرتبطا باستدامة المؤهّلات نظرا للنّسق المتسارع لتجدّد المعارف. كذلك دعم وتفعيل عمل الجمعية العربية لمؤسسات التدريب والتعليم التقني والمهني والتي تحتضنها الرياض نظراً للحاجة الملحة لمواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية والتقنية وبثقافة العمل والتغيرات مما يساعد على تحسين الإنتاجية والقابلة للاستخدام واستحداث المزيد من فرص العمل، والسّعي إلى تبسيط وتسهيل تنقّل العمالة العربية بين الدّول العربية وفقا لقاعدة المواءمة بين مهارات القوى العاملة المتوفّرة في بلدان الإرسال مع متطلّبات أسواق العمل في بلدان الاستقبال خدمة للمصالح المشتركة.
وأوصى المشاركون بضرورة سد الثغرات في المعلومات من خلال دعم استكمال إنشاء الشبكة العربية لمعلومات سوق العمل، والاهتمام بتبادل المعلومات للاستناد إليها فى اتخاذ القرارات المناسبة وفتح الحوار للتعرف على اتجاهات وآراء الشباب والأدوار التي يرغبون القيام بها لخدمة مجتمعاتهم وكذلك التعرف على الجهود والمبادرات لأحداث فرص العمل، إلى جانب تبني برامج شبكات الأمان الاجتماعي لما لها من تأثير قوي للحد من الفقر والعمل على تحقيق المساواة، وإعطاء الأولوية للتدخلات التي تستهدف الفئات الأكثر تهميشاً وفقراً وتشجيع الاستثمار في رأس المال البشري، على أن تتم مثل هذه التدخلات من خلال الآليات الصحيحة لتقديم الخدمة ويجب متابعتها وتقييمها.
وأقر المشاركون بأهمية تبني أفضل الممارسات الدولية لضمان الإدارة الاحترافية والشفافة لاحتياطيات الأمن الاجتماعي والعمل على دراسة فعالية موارد شبكات الأمان الاجتماعي لتحديد الأفضل من تدابير الإصلاح حتى يمكن اتباعها وذلك لتحسينها ومن ثم تحديد الأهداف وضمان تلقي الفقراء غالبية الموارد مع اشراك المواطنين في الحوار الخاص ببرامج الاصلاح، وإنشاء آليات مؤسسية لتسهيل إجراء الحوار الاجتماعي حول قضايا التشغيل والحماية الاجتماعية وتوسيع مشاركة الشباب والمرأة والمجتمع المدني فى الحوار الاجتماعي حول بعض القضايا كتحديد الحد الأدنى للأجور وحماية العمالة والتأمين ضد البطالة ومعاشات التقاعد وتشغيل المرأة. كذلك السعي المستمر والحثيث نحو امتداد نظم التأمين الاجتماعي أفقيا لمختلف قطاعات وفئات المجتمع ورأسيا لتشمل التأمين الصحي والتأمين ضد البطالة بالتلازم مع تأمين الشيخوخة والعجز والوفاء وتأمين إصابة العمل، ودعم وتفعيل الجمعية العربية للضمان الاجتماعي ببيروت كأداة أساسية في سبيل تعزيز ثقافة الحماية الاجتماعية.
كما شددوا على توسيع نطاق برامج الحماية والرعاية الاجتماعية القائمة لتوفير الدعم المناسب للتخفيف من حدة الأزمات والمخاطر الاجتماعية المختلفة، واتخاذ إجراءات علاجية وتدابير أكثر فعالية، تشجيع توجه القوى العاملة نحو القطاع الخاص من خلال تبني إصلاحات لتغير نمط الممارسات والثقافة السائدة، وذلك من خلال العمل على سد الفجوة في المزايا والأجور بين القطاعين العام والخاص، ربط الحصول على وظيفة بالقطاع العام بالكفاءة والأداء، تحسين سياسات انتقال القوى العاملة، والتنسيق بين برامج الضمان الاجتماعي لمختلف فئات العاملين، إضافة إلى إجراء إصلاحات على برامج التأمينات الاجتماعية لضمان توسعة غطاء البرامج وزيادة إمكانية توزيع الفائدة وضمان الاستدامة المالية على المدى الطويل. وأيضا الاعتماد على الدراسات الاكتوارية لتحقيق التوازن بين موارد ونفقات نظم التأمين الاجتماعي وضمان قدرتها على الوفاء بالتزاماتها وتفعيل الدور الاستثماري المتعدد لنظم التأمينات الاجتماعية في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة من خلال توجيه أوجه الاستثمار إلى مختلف المجالات التي تحد من سلبيات التحولات الاقتصادية الهيكلية التي تحقق أقصى مصلحة اقتصادية اجتماعية للمؤمن عليهم.
ودعا المشاركون في المنتدى كلا من البنك الدولى ومنظمة العمل الدولية إلى جانب منظمة العمل العربية إلى أن يكون هذا الإعلان بمثابة خارطة طريق للسياسات الموجهة إلى المنطقة العربية من أجل دعم النمو والتطور المطلوب لمواجهة التحديات الهيكلية للتشغيل، متأملين أن تكون بنود ومبادئ إعلان الرياض معروضة على جدول أعمال اجتماع القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية المقبلة.
وأعرب المشاركون عن تقديرهم للدور الرائد الذي يقوم به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله، في الإطار العربي والدولي، مشيدين بمواقفه القومية المتميزة، ومبدين إعجابهم لما تشهده المملكة في عهده من ازدهار وانتعاش، ولرعايته لأعمال المنتدى، ولحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة وما هيئته وزارة العمل من ظروف أسهمت في انعقاد هذا المنتدى بهذه الصورة.