من المؤكد أنّ الفن التشكيلي لغة لا تحتاج إلى ترجمة بين الشعوب لكونه يحاكي حاسة البصر، تلك الأيقونة التي منح الله - سبحانه وتعالى - إياها للذات البشرية التي أتقن استعمالها الفنان، فأصبح بفنه قريباً من كل الناس باختلاف أعراقهم أو ديانتهم، والفنان السعودي هو أحد هؤلاء الفنانين الذين حاكوا لغة العين فأبدعوا بفنهم ليعكس - لنا - واقع المجتمع ومحاكاته بلوحاته.
أخذت أبحث عن فهم فلسفة الفن وما مدى استيعابنا له ومدركاتنا لهذا الفن وكيف نراه ببصيرة فكرنا لا ببصرية أعيننا علّني أزداد علمًا.
فاستوقفتني في بحثي تجربة الفنان التشكيلي صديق واصل الذي تعاطى مع الذهنية الفنية قبل أن يتعامل مع المنجز التشكيلي، ومن المألوف والمعروف بصفة عامة أن الفنان بطبعه غريب الأطوار فهو يتعامل مع الأشياء من منظوره الذهني والفكري بشكل غير منطقي، لكونه يستعمل الفص الأيمن من العقل بحسب بحوث ودراسات طبية، حيث إن هذه الطريقة في التفكير تجعله يعالج الموضوع من العمق فيجزئه ويبعثره متجاوزا كل ما هو منطقي، ومن ثم يبدأ بإعادة تحليله واستنتاج نتائج وإجابات لم تكن بالحسبان.. إذن هي عملية التفكير الإبداعي التي تتجاوز كل الأرقام والقيم والأعراف.
صديق واصل هو نموذج لهذه الذهنية فهي واضحة وجلية بمنجزاته الفنية التي تنتهج تقديم الفكرة على الجمال بالمفهوم اللغوي، فن ما بعد الحداثة ناهيك عن طريقة تفكيره فهو كما أسلفت تجاوز المألوف بلغة راقية وبلاغة متناهية في التعبير باختزال الفكرة بشخوصه الإنسانية تارة بحالة انعطاف على الذات يجمع المتناقضات.
المنجز الفني بذهنية واصل هو عبارة عن مسرحية من تفاصيل الحياة يسافر من اجلها يبحث في خفاياها يلملمها ويبعثرها يسقط مقياس الزمن لا يكترث للوقت، يحيا بكينونة الفكرة المراد تجسيدها بمنحوتاته في زمن آخر وفي عوالم أخرى همه الأول والأخير أن يخرج بمنجز متكامل بين الفكرة والفلسفة قبل الشكل، وهي معادلة عصية على أولئك التقليديين الذين أخذوا على عاتقهم السهل الممتنع.
فالفن التشكيلي أسماء من السماء بآفاقها وأقدم من تجاعيد جدار الطين وأوسع من متاهة الصحراء برمالها، فالفن التشكيلي لا يتوقف عند سطحية المكان ومحدودية الزمان كما يلهمنا صديق واصل الفن هو معنى الحياة وروح الحرية وعيون الحقيقة.