يبدو أن مصائب شركات الاتصالات لن تتوقف عند حد، طالما أن شركات التقنية الحديثة باتت تنافسها في عقر دارها من خلال التطبيقات المجانية، وخدمات التواصل العصرية، وبرامج التراسل الفوري، التي ستضاف لها خاصية الاتصال المجاني قريباً.
السيد «جان كون»، المدير التنفيذي لشركة واتس آب، أكد أن «الشركة تستهدف توفير خدمة الاتصال بحلول الربع الثاني من العام لزيادة جاذبيتها وبما يساعدها في الوصول إلى مليار مستخدم»، وهو هدف طموح إلا أنه مؤثر في شركات الاتصالات المحلية التي ما زالت تلملم تداعيات، خدمة التراسل الفوري المجاني، على أرباحها.
من المتوقع أن تتأثر أرباح شركات الاتصالات المحلية بمجرد تطبيق خدمة الاتصال المجانية، خصوصاً أن برنامج «واتس آب» من البرامج (الشعبية) المنتشرة بشكل لافت في السعودية والخليج.
التحذيرات المستمرة بإمكانية اختراق المحادثات والحصول على صور وفيديوهات مستخدمي «واتس آب» لم تجدِ نفعاً مع المستخدمين الذين باتوا يتندرون على تحذيرات انتهاك الخصوصية، لأسباب مرتبطة بمحتوى مراسلاتهم واتصالاتهم البريئة.
أعتقد أن عصر شركات الاتصالات الذهبي أوشك على الانتهاء، فالمنافسة القوية من الشركات التقنية العالمية، التي لا تعترف بالحدود، ولا تهتم كثيراً بأنظمة الحماية السيادية، والمنع، ستزلزل الأرض من تحت أقدامها قريباً، وستكبدها خسائر مؤلمة.
لم تعد المنافسة العادلة متاحة في سوق الاتصالات، وهو جزء من ضريبة العولمة والابتكارات التقنية التي عجزت شركاتنا المحلية عن استغلالها لمصلحتها، ابتكاراً، أو مشاركةً، أو استحواذاً.
سوق الاتصالات لم تعد كما كانت عليه من قبل.. دخول ثورة الأجهزة الذكية أكسبت الشركات العالمية قدرات هائلة للسيطرة على أسواق الاتصالات العالمية عن بُعد، من خلال التطبيقات المجانية الموفرة لخدمات الاتصال النصي، و المسموع، والمرئي، وهي الخدمات الرئيسة المدرة لأرباح شركات الاتصالات التقليدية حالياً.
الخطر الأكبر من إضافة الاتصال المجاني لتطبيق «واتس آب» قد يقع على الشركات الحديثة التي لم تنجح حتى الآن في تجاوز خسائرها المتراكمة لأسباب تشغيلية صرفة.
المراهنة على زيادة عدد المشتركين، قد لا يكون مجدياً مع تغير أدوات اللعبة، فغالبية المشتركين سيفضلون الاتصال المجاني على الاتصال المدفوع، مثلما فعلوا من قبل مع الرسائل النصية، ومن يدري فقد تقضي خدمة النت المجاني من خلال شبكات الكهرباء على ما تبقى لشركاتنا من قدرة على المناورة والصمود.
أجزم بأن إدارات شركات الاتصالات المحلية مطالبة بوضع خطط لمواجهة خطر انخفاض حجم الأرباح مستقبلاً، وهو انخفاض قد يصل مستويات حرجة مع تطور التقنية، وسيطرة التطبيقات المجانية التي قد تجعل من وجود شركات الاتصالات أمراً غير ذي جدوى.
قد أكون متشائماً، إلا أن الابتكارات الحديثة توشك أن تسحب البساط من تحت أقدام شركات الاتصالات التقليدية التي لم يتبق لها إلا خيارات محدودة جداً، فإما الاستسلام ومواجهة المصير المحتوم، أو الدخول في اندماجات لخفض التكاليف وتقليص المنافسة المحلية، أو شراكات نوعية عالمية تجعلها قادرة على الاستثمار في التقنية والابتكارات الحديثة، وبما يسهم في دعم مركزها التنافسي مستقبلاً.
لم تعد منظومة الاتصالات التقنية كما كانت عليه من قبل.. الابتكارات الحديثة أعادت تشكيل آلية الاتصالات، وغيَّرت في سلوك المستهلكين وعلاقتهم بوسائل الاتصال الحديثة، وهذا يجعل من مناورة الشركات التقليدية، أو محاولتها المحافظة على حصتها السوقية الحالية، أمراً شبه مستحيل.
إضافة الاتصال الصوتي المجاني لتطبيق «واتس آب» ما هي إلا بداية التهديد، وهي أشبه بالرسالة التحذيرية لشركات الاتصالات العالمية، وشركاتنا المحلية والخليجية، فهل تستوعب تلك الشركات رسائل التحذير المتواترة، أم تراهن على قدراتها، وأنظمة الحماية السيادية، فتخسر المشتركين، وتُكَبِد المساهمين والاقتصاد الوطني خسائر فادحة؟.