كتبت فيما مضى، وقلت إن التاريخ يؤكد لنا، مرة بعد مرة أن الثقافة، والمعرفة العميقة بأحوال العالم، والفصاحة اللغوية، والذكاء الحاد ليست مميزات كافية ليكون الإنسان حاكما جيدا، فقد علمنا ذات التاريخ أن معظم من خلدتهم صفحاته كانوا من محدودي التعليم، والمعرفة، ولكن كانت لهم قدرات فطرية مذهلة في الحكم، والقيادة، والتأثير على مجريات الأحداث، داخل بلدانهم، وخارجها، بل ربما تكون الثقافة، والمعرفة حجر عثرة للحاكم، إذ هي قد تجعله يزن الأمور بميزان الحق، والمثالية، وكلنا يعلم أن السياسة هي فن الممكن، كما أن المثالية ليست ذات جدوى، عندما يتعلق الأمر بالمصالح، والبحث عن المجد، وهذه هي مرتكزات معظم الأمم عبر التاريخ.
الرئيس أوباما خلق حالة من التفاؤل اللا محدود، عندما انتخب رئيساً للإمبراطورية الأمريكية في 2008، وكان هناك أمل بأنه سيكون الرئيس المنتظر، الذي سيتمكن من إعادة الأمور إلى نصابها، داخل الولايات المتحدة، ويساهم في حل معظم المشاكل العالمية العالقة، خصوصا وأن شعار حملته الانتخابية كان مشوقاً: «نعم ... نستطيع». هذا، ولكنه بتردده، وتناقضاته، أخفق في هذه، وتلك، وخلق حالة من فقدان «الهيبة الأمريكية»، وهي الهيبة التي قامت عليها هذه القارة العظمى، قبل أكثر من مائتي عام، على يد الآباء المؤسسين، وهم إقطاعيون هرب أجدادهم من جحيم أوروبا المظلمة، وثاروا على الاحتلال الإنجليزي لأمريكا، وقد غرس هؤلاء الآباء في نفوس الشعب الأمريكي قيم الحرية، والعدالة، والفخر، وما زلت أقول إنه لا يوجد شعب على وجه هذه الأرض يعشق تراب وطنه مثل الشعب الأمريكي، والوطنية على الطريقة الأمريكية تعتبر عقيدة خالصة، ويندر أن تجد مواطناً لا يتلحف بعلم بلاده، أو يرفعه على سارية منزله، أو سيارته، خصوصاً في المناسبات الوطنية.
هذه الحالة النادرة من الولاء الوطني لا يوجد لها مثيل، وعندما تسأل شخصاً تقابله للمرة الأولى عن موطنه، فإن المواطن الأمريكي يتميز عن الجميع بالطريقة التي يجيبك فيها، إذ يستجمع كل قواه، وهو يجيب على السؤال، ثم ينطق اسم الولايات المتحدة، كاملاً، أو مختصراً بالحروف الثلاثة، وتكاد تقرأ الفخر في كل جوارحه، وهو يفعل ذلك، وأكثر ما يفخر به المواطن الأمريكي هو الخدمة في الجيش، ويعتبر من يقوم بذلك بطلاً قومياً، خصوصاً إذا وصل إلى منصب الرئيس، مثل الرؤوساء ديويت ايزنهاور، وجون كينيدي، وبوش الأب، فماذا جرى لتلك الهيبة الأمريكية على يد الرئيس أوباما؟!. هذا ما سنحاول الإجابة عليه.