الحرب كانت وما تزال أداة من أدوات السياسي لإعادة رسم الجغرافيا السياسية، أو التحكم بقوة وضعف مناوئيه السياسيين، حسب متطلبات مصلحته. قالوا عنها إنك تستطيع أن تبدأها بقرار لكنك لا تستطيع في الغالب أن تُنهيها كما بدأتها إلا إذا أذعنت للهزيمة والانكسار ورفعت الراية البيضاء. سياسيون كثر عرفهم التاريخ اتخذوا قرار الحرب خطأً وانتهت بهم وبشعوبهم إلى كوارث غاية في الفظاعة، أشهرهم في العصر الحديث كان «هتلر» وكذلك «صدام حسين» بالنسبة للعرب.. دخول الحرب وخسارتها هي دائماً ما تكون نتيجة للحسابات الخاطئة؛ فقد يظن السياسي أنه قد حسبها (صح) عندما اتخذ قرارها، لكن ليس بالضرورة أن تكون حسابات البداية مثل حسابات النهاية، فظروف الحرب وتطوراتها تعتمد على عوامل ومتغيرات، لا يمكن لطرف مهما بلغ من القوة والسطوة أن يُسيطر عليها دائماً وفي كل مراحلها.
حسن نصر الله عندما قرر الدخول إلى أتون الحرب الأهلية السورية لا يبدو أنه حسبها كما يجب أن يحسبها السياسي الحصيف والمجرب والحذر. هناك آراء كثيرة تتحدث عن أن قرار دخول حزب الله الحرب في سوريا لم يكن قراراً لبنانياً وإنما فرضه الإيرانيون. أما الإيرانيون فينأون بأنفسهم عن قرار إدخال حزب الله الحرب في سوريا، ويؤكدون أن (نصر الله) هو من اتخذه وأقنعهم به. وأنا أميل إلى هذا الرأي؛ أن يسقط الأسد يعني أن ينكشف حزب الله، وعندما ينكشف سيجد نفسه وحيداً في حقل مزروع بالألغام تحفه الأعداء من كل جانب، فضلاً عن أنه على ما يظهر لم يكن يتصور أن يمتد أمد الحرب إلى هذه الفترة الطويلة من الزمن، وقد كلفته الحرب بجانب نظام الأسد من الضحايا - (قتلى ومصابين) - رقماً لم يصل إليه الحزب منذ تأسيسه؛ كما استنزف رصيده الشعبي العربي وكذلك المحلي داخل لبنان كحركة مقاومة عربية ضد إسرائيل؛ ولا يبدو أن هناك مؤشرات تشير إلى أن هذه الحرب ستشهد نهاية قريبة، بل الاحتمال الأقوى أن يمتد الصراع إلى داخل لبنان كلما طال أمد الحرب أكثر، خاصة وأن في لبنان مجموعات سنية مُغرقة في التشدد طائفياً، وتكِنُّ عداوة عميقة لحزب الله، وسوف تساند وتأوي أية مجموعات مسلحة من شأنها تقليم أظافر قوة الحزب وسطوته إذا تسللت من سوريا إلى لبنان. لذلك أتوقع أن تشهد حواضن الحزب في المناطق الشيعية في لبنان تفجيرات وأعمال انتقامية متكررة، سيكون أثرها المعنوي والعسكري بالغ التكلفة وغاية في الإنهاك، وقد بدأت هذه الأعمال بالفعل، وسوف تشهد تزايداً في تقديري مستقبلاً.
(حركة أمل) التي تعتبر الجناح السياسي الشيعي الثاني في لبنان، والأكثر استقلالاً وعقلانية من (حزب الله)، بدأت - على ما يبدو - تستشعر خطر المستقبل على الطائفة الشيعية في لبنان، وهي ترى تورط حزب الله حتى أذنيه في الحرب الأهلية السورية، وفي الوقت ذاته يتأكد مع الزمن أن احتمال بقاء «بشار الأسد» كحاكم لسوريا أو حتى لجزء من سوريا إذا ما تقسمت يكاد يكون شبه مستحيل، لذلك فتح زعيم حركة أمل «نبيه بري» قناة اتصال من خلال أمير الكويت طالباً أن يلعب الشيخ صباح دور الوسيط بين المملكة وإيران، مع ضمان مصالح كل الأطراف في المنطقة؛ فنبيه يرى بري أن أي تقارب بين البلدين سينعكس إيجاباً على الوضع في سوريا، وهو ما قد يكون (مخرجا لائقا) لحزب الله من مأزقه، ويحاصر في الوقت ذاته تداعيات هذه الحرب على الفسيفساء التي يتشكل منها النسيج اللبناني؛ خاصة وأن الحرب إذا ما امتدت إلى لبنان، ستكون قطعاً ذات تأثير كارثي على كل الشيعة في لبنان وليس على حزب الله فقط، وبالذات بعد الانتهاكات الدموية التي ارتكبها الحزب هناك.
وسواء نجح بري في مساعيه أو فشل فإن خسارة حزب الله في حربه مع سوريا ستكون فادحة بكل المعايير، ما يجعل قراره في دخول الحرب السورية من البداية كان خاطئاً وغير مبرر.
إلى اللقاء.