سأتجاوز جملة من الأمثلة سبق إيرادها هنا لحالات مأساوية ارتكبها من يمكن تسميتهم (مضطربون نفسياً)، لأنتقل إلى حالات جديدة أكثر إيلاما وأسى على ما يحدث بسبب التهاون بأوضاعهم وتركهم دون ضوابط بين الأسر، بل إن منهم طلقاء يمارسون حياتهم كالأسوياء ويقودون السيارات ويتعاركون مع الناس في الطرقات ويرتكبون تجاوزات ومخالفات مرورية قاتلة في الطرق السريعة، وتتعامل معهم الأجهزة المعنية معاملة الأصحاء، فهي تطبق النظام دون التمعّن بالوضع الصحي لقائد المركبة، وهم في كل الأحوال ببقائهم على هذه الحال بلا إجراءات رسمية تخدمهم وتنظم حياتهم وتحميهم من أذى أنفسهم وتمنع أذاهم عن الآخرين، فإنهم يشكلون خطراً من المفترض اتخاذ التدابير بشأنه كأي خطر آخر يمكن أن يطال الأسرة والمجتمع، والتهاون في هذه الأمور يُسجَّل كناحية قصور من الأجهزة المعنية بشؤونهم، لا سيما أن أعدادهم ليست بالقليلة وينتشرون في كل مساحة البلاد، ما يعني أن مخاطرهم شاملة وظاهرة للعيان وان لا مبرر للتغاضي عنهم وتجاهل حقوقهم وحقوق الأسر التي تعاني من مشكلاتهم وأعبائهم، وحق المجتمع، فهم أفراد منه، ولهم ولمجتمعهم الحق بلفت النظر إلى أوضاعهم وحمايتهم ورعايتهم والحماية منهم، فما يبدر منهم من تصرفات في حال الانفعال والغضب أو انتهاء مفعول الدواء ونحو ذلك يجعل منهم أشخاصا شرسين تصعب مقاومتهم أو السيطرة عليهم من العارفين والمختصين، فكيف بمن يجهل طرق التعامل معهم من الوالدين والأسرة وعابري السبيل، أو من أناس يستبعدون مسألة إصابتهم بالاضطراب النفسي أو اللوثة العقلية، أعود لأروي أمثلة سريعة لحالات مختلفة كانت نتائجها مأساوية وفيها دلالات وعِبَر كافية للدعوة للتبصّر بأوضاع هؤلاء المُبْتَلين بتلك الأوضاع النفسية، فقد تناولت الأخبار مؤخراً خبر المعتل عقلياً المضطرب نفسياً (البرماوي أبو الكلام 42 عاماً) بجدة الذي نحر زوجته وأطفاله حين أصابته (هلاوس) بسبب التوقف عن الدواء وتخيل انه يموت قريباً، وآخر أقدم على قتل زوجته وطفلتيه داخل سيارتهم شمال محافظة القنفذة ثم أنهى القصة المأساوية المفجعة بأن انتحر بسلاح كان بحوزته، إذن هو رجل مختل ويحمل سلاحاً نارياً ويقود سيارة تقل كامل أسرته، فمن الطبيعي أن تأتي النتائج محزنة والخسائر كبيرة، والمحزن أكثر أن يستمر الوضع كما هو دون مبادرات لحلول لهذه الحالات، كما أوردت مصادر الأخبار محاولة رجل مسلح بمسدس دخوللمكتب الإقليمي لإحدى القنوات الفضائية بالرياض، بحثاً عن مذيعة ليلقنها درساً لمجرد أنها تجاهلت تغريدة (تويترية) وجهها لها، وتبين بعد السيطرة عليه انه يعاني من حالة نفسية، وهو الآخر مختل مسلح ويقود سيارته بكل حرية، والحالة التالية لمختل أربعيني حاول الانتحار من مكان مرتفع في بلجرشي وكان يحمل سكيناً وآلة حادة غير أن محاولات نجحت بإقناعه بالعدول عن أفكاره، وقالت المصادر: هذه هي المرة الثالثة التي ينجح فيها رجال الدفاع المدني في إقناع الشخص نفسه بالعدول عن الانتحار، ويلاحظ في هذه الحال أن الجهات الأمنية قد باشرت أوضاعه ثلاث مرات ثم يطلق دون إحالة أوراقه لجهة تتولى أمره، وبالتأكيد فإن حالات مماثلة قد مرت على الجهات المَعْنية (صحية وأمنية)، لكنها في النهاية دون حلول.