أصدر سمو الأمير خالد الفيصل كتابه: (من الكعبة وإليها: بناء الإنسان وتنمية المكان) والذي أعلن عنه قبل سبعة أشهر أثناء افتتاح المؤتمر العام الثالث عشر للعواصم والمدن الإسلامية في شهر شوال عام 1434, وأنه يعمل على تأليف كتاب عن التنمية في منطقة مكة.. وشَبّه الأمير خالد الفيصل الخارطة الجديدة لمنطقة مكة المكرمة, بمجموعة شمسية تكون مكة شمسها وجدة والطائف قمريها، وحولهم كواكب تمثّل محافظات المنطقة.
وركز الإصدار على ما حظيت به منطقة مكة المكرمة كسائر مناطق المملكة بدعم من حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمين - يحفظهما الله - الأمر الذي انعكس جلياً على عجلة التنمية والتقدم.
وشهدت منطقة مكة المكرمة ومحافظاتها الست عشرة خلال الأعوام السبعة الماضية من عمر التنمية نقلة نوعية في المشاريع على صعيدي الإنسان والمكان واللذين شكّلا إستراتيجية لتنمية المنطقة وتحقيق تنمية مستدامة تتوازن فيها الفرص, والتي أعدها وشارك فيها أبناء المنطقة وتمت مناقشة نتائجها الأولية بحضور الأمير نايف بن عبد العزيز - يرحمه الله - وحققت نجاحاً ملفتاً انعكس على أرض الواقع، فيما يتم تقييم تلك الإستراتيجية لبحث مواطن الخلل وتلافيها كذلك تعزيز مواقع القوة لمواصلة التنمية.
وسعياً من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل لتوثيق تجربة «بناء الإنسان وتنمية المكان» والتي لم تكن تمثل جهد رجل واحد، بل كانت نتيجة لجهد جماعي شاركت فيه إمارة المنطقة والأجهزة الحكومية والأهلية كذلك إنسان المنطقة لتحقيق التنمية وترجمة دعم القيادة إلى مشروعات تحقق آمال قاطني المنطقة.
وفي كتاب «من الكعبة وإليها.. بناء الإنسان وتنمية المكان» الذي وثّقت صفحاته الثلاثمائة النقلة النوعية في التنمية في منطقة مكة المكرمة وإنسانها تطرق الأمير خالد الفيصل إلى طفرة المشروعات التي لولا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - بعد توفيق الله - لما كان لها أن تكون، كذلك العمل بروح الفريق الواحد وتكاتف الجهود والتي لولاها لما تُرجم دعم القيادة إلى تنمية تبني الإنسان وتنمي المكان.
وقبل أن ندلف إلى مضامين الكتاب الذي قُسم إلى 8 أجزء رئيسة كان لزاماً الإشارة إلى أن الأمير خالد الفيصل لم يشأ أن ينسب ما تحقق لنفسه أو لنجاحه الإداري المشهود له به حين كان أميراً لعسير لثلاثة عقود من الزمان، بل أصر أن يثمّن لشركاء النجاح جهودهم ومساندتهم له لتحقيق تطلعات القيادة وآمال المواطن في المنطقة.
ودشن الأمير خالد الفيصل كتابه بالمرسوم الملكي الصادر نهاية ربيع الآخر من العام 1428هــ، والقاضي بتعيينه أميراً لمنطقة مكة المكرمة، تلاه أول تصريح إعلامي أطلقه سموه فور صدور القرار وكان: «إنها أغلى ثقة.. من أكبر رجل.. في أقدس بقعة».
وفي عبارات الإهداء التي دوماً ما تدوّن لأصحاب الفضل، ودوماً ما تعبر عن شعور النفس الأصدق، أجزى الفيصل شكره لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله - والذي لولاه - بعد الله - وبمبادراته الموفقة ومواقفه العظيمة ومتابعته الدائمة ما كان للتجربة أن تنجح، ثم انطلق الفيصل يحكي قصة الرحيل عن أبها، حتى وصوله إلى ليل العروس البهي، مؤكداً أن «من الكعبة وإليها.. بناء الإنسان وتنمية المكان» ليس سيرة ذاتية أو تقرير مرحلة بل تجربة شكلها الإنسان والإدارة والتنمية التي كانت قدراً له وكان لا بد عليه من الإيمان به. كان وداع خالد الفيصل لأبها مختلفاً، فقد كان يرمق التنمية التي شهدتها إمارة منطقة عسير ومحافظاتها براً وجواً، فبينما كان يتجه لمطار أبها تلبيه لنداء القيادة للعمل في موقع جديد كان يلمح مشروعات توصف بأنها الأولى من نوعها، وما أن صعد الطائرة وأطلّ من النافذة حتى بدأت صورة النماء تكبر والمشاريع التي شهدتها المنطقة تتضح جلية أمام ناظريه واستمر التأمل حتى حالت الغيمات بين أبها وبين أميرها، ثم بدأ يستذكر وقفات الرجال ممن ساهموا معه في الرقي بالمنطقة وتقديم الخدمات لأهلها في السهل والجبل.
وحطت رحال الفيصل على أرض جدة فكان الاستقبال حافلاً والحشد مهولاً، والتحديات أيضاً حاضرة، وكان التصميم قوياً على أن تكون جدة الأجمل وأن تكون مكة في العالم الأول، وأن يكون لمحافظات المنطقة نصيبها الأوفر من التنمية، فبدأ أول مهام عمله متخذاً من وسائل الإعلام نافذة له للوقوف عن كثب على مطالب المنطقة وإنسانها وبدأ العمل.
وقبل أن يبحر الأمير خالد الفيصل في سرد تفاصيل تجربة الأعوام السبعة عرج على مراحل تأسيس الدولة السعودية ونظام الحكم فيها والمستند على البيعة والشورى، مروراً بحقبة لمِّ الشتات تحت راية التوحيد ودستورية القرآن وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم التحول من حياة بدائية تعتمد على التنقل إلى حضارة مدنية ملتزمة بثوابت الدين والقيم الإسلامية والعربية النبيلة والتي أكد سموه أنها لم ولن تكن يوماً تشكّل عائقاً أمام التنمية والنماء.
وفي ذات السياق تطرق الفيصل لأبرز الملامح التي تمكّن من المحافظة على النجاح الذي يشهده الوطن، إضافة لأهم المقومات التي تسهم في تأصيل اللُحمة الوطنية بين أبناء الوطن والتي لا سبيل لاستمرارها دون التمسك بالعقيدة الإسلامية والمنهج الإسلامي الحنيف، مستعرضاً الحرب الشرسة التي تتعرض لها المملكة إعلامياً من جهة والحملات الأخرى التي استهدفت الوطن والمواطن والتي يأتي في مقدمتها الأعمال التخريبية التي هب الجميع لإيقافها بفضل من الله أولاً ثم بالمواقف العظيمة للأمير نايف بن عبد العزيز - يرحمه الله -, مع الأخذ في الاعتبار تعاضد أبناء الوطن مما أجهض كل المحاولات التي كانت ترمي لتفكيك الكيان العظيم.
وفي الصفحات الأولى للكتاب استعرض الأمير خالد الفيصل نظام الإمارة والمناطق بنوع من الإيجاز كمقدمة تسبق الشروع في سرد حكاية المشروع الذي أمضى في صناعته وزملاوه أعواماً سبعة، وفي هذا الجزء أكد أن أمير المنطقة مقصد الجميع لحل المشكلات وتذليل العقبات وقضاء الحاجات لذا كانت أولى خطواته في أول اجتماع له بمنسوبي إمارة منطقة مكة «الحل ولا غير الحل».. فالمشكلات والعقبات لا بد أن «تُحل لا أن تُحال « حفاظاً على الوقت وتحقيقاً لأماني المواطن، مع الأخذ في الاعتبار أن التغيير لا بد أن يكون لأجل التطوير وأن النجاح الحقيقي الإنجاز بالإمكانات المتاحة.
وفي بداية الخمسينية الأولى لصفحات الكتاب أعطى الأمير خالد الفيصل لمحة عن المحطات التي مر بها في مجال الإدارة بدءاً من رعاية الشباب والعمل الدؤوب والجماعي لبناء مستقبل الأجيال في رحلة تحدٍ مع الإمكانات المحدودة حينها، مروراً بفكرة إنشاء دورة الخليج التي بلغت اليوم من العمر ثلاثة وعشرين ربيعاً، وفي عسير كانت المحطة الأهم مشروع السياحة الداخلية والذي يُعتبر الأول من نوعه في المملكة بل إنه نواة السياحة الوطنية النقية، ثم منطقة مكة المكرمة التي كانت مختلفة بكل المقاييس ما جعل السجال بين الفيصل والفكر طويلاً، حتى جاءت لحظة وقوف بين يدي الله إلى جوار الكعبة فكان السؤال «لو لم تكن إرادة الله، قد اختارت وضع الكعبة هنا؟.. ليكون التساؤل أولى الإجابات.
وبعد سيل من التساؤلات المحيرة الرامية لتحقيق طموحات وتطلعات المواطن بدأ أول خيوط النور يتضح جلياً بل كانت أولى الخطوات على طريق العمل والتي ارتكزت على أن مكة موقع القلب والجسد لكل مواطن سعودي بداية من الهرم وصولاً إلى المواطن مروراً بالجهات الحكومية والأهلية، إضافة إلى كونها قبلة المسلمين ومحط الأنظار ومهوى الأفئدة، وأنها المرآة التي يرى العالم من خلالها مواطن هذه البقعة ويقيّم عمله، فكان القرار العمل بكل الطاقات لتكون في بهاء الصورة ورونق المشهد.. وبعبارة « على الله الجهد، وعلى الله الاتكال» كانت الانطلاقة من الكعبة وكأن المؤلف هنا يرمق في السماء حدثاً فلكياً جديداً لمجرة شمسها مكة المكرمة، وجدة والطائف قمراها بينما المحافظات مجرات تدور في فُلك هذا الحدث، والتي ستسير جميعها سالمة غانمة - بإذن ربها -.
وانطلق الفيصل مستعينا بالله، ثم بدعم القيادة التي سخّرت كل المقومات المادية والمعنوية للتنمية البقعة الأطهر، ولخدمة ضيوف بيت الله الحرام وقاصديه، فأعاد هيكلة الإمارة إلى ستة قطاعات شملت التنمية والحقوق والأمن والشؤون الإدارية والمالية والحج والعمرة، وقطاع الاستشاري إضافة لاستحداث وكالة مساعدة للتنمية وإنشاء إدارات عامة للتخطيط والتنسيق الأمني، كما تم تشكيل فريق عمل لاستيفاء مهام العمل خصوصاً في المواقع القيادية والتي تم تدعيمها بكفاءات مهنية عالية ودماء شابة طامحة للعمل، فضلاً عن تقديم دورات تدريبية لتأهيل العاملين والذين تجاوز عددهم 2500 موظف من داخل الإمارة وخارجها بهدف خلق بيئة عاملة لا تعترف بشيء سوى النجاح.
ولم يقف الأمر عند حدود التخطيط بل تجاوز إلى جولات سنوية شملت محافظات المنطقة لم يتغيب فيها سمو أمير منطقة مكة المكرمة - آنذاك - عاماً واحداً عن عادته والتي لم تكن ترفاً إدارياً أو دعاية لتجميل الصورة في وسائل الإعلام بل كانت للوقوف عن كثب على احتياجات المواطنين وتحقيق تنمية متوازنة يعود نفعها لإنسان منطقة مكة المكرمة، وقد آتت تلك الزيارات بفضل الله ثم بدعم القيادة وعمل أجهزة الإمارة ثمارها التي لمسها المواطن في تلك المحافظات، وحين يتم التطرق لهذا الجانب فإن الجميع يتذكر توجيهاً صدر ممهوراً بتوقيع سموه يمنع الاحتفالات والولائم أثناء الجولات.
واستعرض الكتاب بادرة إمارة منطقة مكة المكرمة الأولى والتي تمثّلت في إطلاق مبادرة غير مسبوقة في التطرق للمشاريع بشفافية من أجل المصلحة العامة ورصد المشاريع المتعثرة والمنجزة والجاري تنفيذها وتم في هذا الشأن عقد ورش عمل عدة لتشريح الواقع ووضع الحلول عبر تفعيل خطوات عمل مؤسسي وجماعي تشارك في تنفيذه كافة قطاعات الدولة وثم تمت مناقشة التقرير النهائي بحضور المغفور له - بإذن الله - الأمير نايف بن عبد العزيز الذي بدوره وجه بتعميم التجربة على كافة مناطق المملكة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أبناء المنطقة شاركوا في هذا العمل عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتي استطلعت آراء المواطنين وأمانيهم وأبرز العقبات التي تواجههم فكانوا خير معين على أن تكون البداية صحيحة.
ولا يزال المؤلف يتحدث عن البدايات والتي تم خلالها تشكيل لجان وزارية عدة لمعالجة أضرار السيول في محافظة جدة، وتطوير الأحياء العشوائية ولجنة وزارية لهيئة تطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، تساندها لجان مجلس المنطقة والتي تهدف للتنمية بكافة أنواعها العمرانية والرياضية والاقتصادية والتعليمية وخلافها بهدف طرح المبادرات وتنفيذها على أرض الواقع.
ولأن النجاح يتطلب وضع إستراتيجية يرتكز عليها العمل شرعت إمارة منطقة مكة المكرمة في وضع الخطوط العريضة لإستراتيجية المنطقة والتي ترتكز على عنصرين هما: «بناء الإنسان وتنمية المكان» التي ترتكز على الكعبة المشرفة منطلقاً للمشروع وتهدف لتكون مكة المكرمة أنموذجاً مشرفاً وملهماً إضافة لتحقيق تنمية مستدامة متوازية ومتوازنة بين الإنسان والمكان من جهة وبين جميع المحافظات والمدن والقرى من جهة أخرى.
وإيماناً من سموه بأن «أهل مكة أدرى بشعابها» تم إشراك إنسانها في وضع إستراتيجية المنطقة والتي تتواءم والخطة العشرية للدولة، وتم في هذا الشأن عقد لقاءات وورش عمل لدراسة منجزات السنوات الخمس الأولى من إستراتيجية المنطقة وتصحيح الأخطاء التي حدثت إضافة لتطوير الخطة في شقها المتبقي والذي يمتد لخمسة أعوام ثانية.
وفي معرض تطرقه لإستراتيجية المنطقة أوضح الأمير خالد الفيصل أن محور بناء الإنسان استهدف رفع كفاءة التعليم والتدريب ومخرجاته ورفع مستوى أداء العاملين في الحج والعمرة وتوفير الخدمات التي تسهم في تغذية الفكر وتطويره، إضافة لإعداد جيل من الشباب قادر على تحمل المسؤولية وتمكين القادرين منهم على القيادة، وفي محور تنمية المكان استهدف العمل في إمارة منطقة مكة المكرمة توفير الضروريات والتي تأتي في مقدمتها المياه، ورفع كفاءة الخدمات الصحية وتطوير النقل العام والمواصلات ومعالجة الأحياء العشوائية وحماية أراضي الدولة وتوثيقها والعمل على تطويرها.
وفي سياق العمل المؤسسي أقرّ الأمير خالد الفيصل المخطط الإقليمي للمنطقة الذي يمثل الرؤية الإستراتيجية للمنطقة ومحافظاتها ومراكزها ويضع تصوراً كاملاً لجميع المشاريع التي تحتاجها حتى العام 1450هـ، ويركز مفهوم المخطط الإقليمي على تحقيق تنمية متوازنة ومستدامة لمنطقة مكة المكرمة بجميع محافظاتها ومراكزها، وتوطين المشروعات القادرة على إيجاد فرص عمل، كذلك معالجة الشتات والبعثرة السكانية، من خلال الهيكل السكاني وقطاع الخدمات والعمالة والقطاعات الاقتصادية وشبكات البنية الأساسية وتوزيع استعمالات الأراضي الإقليمية ودعم مراكز التنمية.
وأبحر الفيصل من خلال «من الكعبة وإليها.. بناء الإنسان وتنمية المكان» في الحديث عن أبرز العوائق التي كان من الواجب التغلب عليها وتحويلها إلى عوامل إيجابية والتي جاء في مقدمتها «مواجهة ثقافة الإحباط» والتي وصفها بأنها تشكّل العائق الأكبر أمام مشروع بناء الإنسان كون الفكر لا يمكن مواجهته إلا بالفكر، فبدأ العمل في هذا الجانب بتنفيذ الأنظمة وأن يكون التفاؤل أرضاً قوية يقف عليها الجميع لتحقيق النجاح بالإضافة لبناء جسور تواصل تعزز الثقة بين المواطن والأجهزة ذات العلاقة بتقديم الخدمات له.
ومن منطلق إيمان الأمير خالد الفيصل بأهمية التقاء المسؤول بشرائح المجتمع المختلفة, وهي التجربة التي بدأها حينما كان أميراً لمنطقة عسير، وتتضمن مجلساً أسبوعياً للقضاة والدعاة، والمثقفين ورجال الإعلام، فيما يستقبل المجلس رجال الأعمال، شيوخ القبائل، ومديري الإدارات الحكومية، وأضاف إليه مجلساً للشباب ويتم في المجالس تبادل الأفكار والمقترحات وتحويلها لمشاريع على أرض الواقع.
وفي معرض تطرقه لأسبوعيات المجلس قال سموه: «المجالس العامة سنّة سنّها الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن - يرحمه الله -، لتكون قناة للتواصل المباشر بين المواطن والمسؤول، وهذه سنّة حميدة، وهي ميزة من مزايا هذا الوطن وهذا الشعب وهذه الحكومة».. ولقناعته بأهمية تطوير البرامج التي تلبي رغبات الشباب حرص على إنشاء حاضنات ولجان تستوعب مقترحاتهم وتحولها إلى مشاريع تعود بالنفع على المنطقة، كما أنشأ سموه ملتقى الشباب، حيث بلغ عدد الشباب المشاركين فيه في نسخته الرابعة والتي أطلقها سموه مطلع العام الدراسي الحالي أكثر من 600 ألف طالب وطالبة وتشارك فيه وزارات التربية والتعليم, والتعليم العالي، والثقافة، الإعلام والعمل، وهيئة السياحة والآثار، والرئاسة العامة لرعاية الشباب.
ومن ملامح التنمية الهامة التي لا يمكن إغفالها من تاريخ المنطقة إعادة إحياء سوق عكاظ الذي كان محط اهتمام الملك فيصل بن عبد العزيز - يرحمه الله - والذي أنشأ لأجله عدة لجان ثم عاود الانطلاق عام 1428هـ، بدعم وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وخلال الأعوام والدورات الست للسوق حدثت نقلة نوعية على مستوى الفعاليات والمكان، ولعل من أبرز الملامح خيمة سوق عكاظ التي أصبحت ملمحاً حضارياً وعلامة فارقة في تاريخ السوق، وفي هذا الجزء أكد الفيصل أن سوق عكاظ ليس إحياءً للتراث وحسب، بل نافذة على المستقبل ومن هذا المنطلق تم اعتماد واحة التقنية والرامية لخلق جيل واعٍ مسلح بالعلم والمعرفة.
كما أعطى سموه لمحة عن جائزة مكة للتميُّز والتي بدورها خلفت تنافساً شريفاً بين القطاعات في المنطقة، كذلك سلّط الكاتب الضوء على الكراسي العلمية الأكاديمية المستحدثة في الجامعات، ومن أبرزها تأصيل منهج الاعتدال وبناء الإنسان وتطوير المناطق العشوائية والالتزام بالنظام واحترامه.
ومن ملامح التنمية التي يُحسب لإمارة منطقة مكة المكرمة قصب السبق فيها إنشاء مراكز الأحياء وتشرف عليها لجنة التنمية الاجتماعية وتهدف إلى تحقيق التواصل الاجتماعي، وتقوية العلاقات الأخوية بين أفراد الحي، وتوظيف طاقاتهم فيما يعود بالنفع على الفرد والأسرة والمجتمع، وتكوين علاقة إيجابية بين الفرد ومحيطه الذي يعيش فيه، وتشجيع مشاركة السكان في جهود تنمية المدن وتطويرها، والمحافظة على مكتسباتها ومنجزاتها.
وينتقل الأمير خالد الفيصل في الجزء ما قبل الأخير من كتابه «من الكعبة وإليها.. بناء الإنسان وتنمية المكان» إلى تنمية المكان والتي وصفها بأنها مشروعات عملاقة غير مسبوقة تجيّر لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله -، كما أنها مبادرات شخصية جاءت بفكره الذاتي ودعمه وأنه لا فضل لأحد بعد الله لسواه. كما تضمن «من الكعبة وإليها.. بناء الإنسان وتنمية المكان» مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتوسعة الحرم المكي الشريف والمتضمن توسعة المسعى ليستوعب 118 ألف ساعٍ في الساعة وأكثر من 1156 ألف مصل، إضافة لتطوير الساحات الشمالية وتوسعة المطاف لتبلغ طاقته الاستيعابية بعد إنجازه 105 آلاف طائف في الساحة بعد أن كان يستوعب 48 ألف طائف قبل التوسعة.
واستعرض كتاب الفيصل مشروعات طريق الملك عبد العزيز بمكة المكرمة، مدينة الملك عبد الله الاقتصادية برابغ، جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، مطار المؤسس الجديد بجدة، ومدينة الملك عبد الله الرياضية.
وبشيء من التفصيل استعرض الأمير خالد الفيصل مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لإعمار مكة المكرمة والذي نال الحصة الأوفر من الدعم كونه مشروعاً يعنى بالمقدسات وقاصديها، إضافة لمشروع تطوير العشوائيات في العاصمة المقدسة ومشاريع الإسكان وتطوير منظومة الحج والعمرة.
ومن أبرز الإنجازات التي تحققت مشروع خادم الحرمين الشريفين لتصحيح أوضاع الجالية البرماوية والذي يستهدف تصحيح وضع أكثر من 250 ألف برماوي، أما في جانب الحج والعمرة فقد انحسرت أعداد المخالفين المتسللين للمشاعر المقدسة في مواسم الحج عاماً تلو الأخر وحقق موسم حج 1434هـ نسبة نجاح بشهادة الجميع.
ولأن كل تجربة لا بد أن يتمخض عنها دروس مستفادة، فإن الفيصل أبى إلا أن يترك بصمة فكان من أهم الدروس المستفادة أن المملكة تتميز بأن كلمة التوحيد لها راية، والقرآن والسنّة لها دستور، مؤكداً أن التحلي بالصبر أسلم الطرق لنيْل المطالب وبلوغ الأهداف، ثم يسدل الأمير خالد الفيصل ستار آخر صفحة بتوجيه آيات الشكر والعرفان للملك فهد بن عبد العزيز - يرحمه الله - الذي منحه فرصة الإبداع وفتح له آفاق لا تعترف بالتقليدية، ثم الأمير نايف بن عبد العزيز - يرحمه الله - الذي كان بمثابة المنهل الذي استقى منه وتعلم، وصاحبي السمو الملكي الأمير أحمد بن عبد العزيز والأمير محمد بن نايف اللذين عاملاه زميلاً بعيداً عن لغة الرئيس والمرؤوس، ثم وجّه الشكر لرفقاء الدرب في إمارة مكة ومديري الأجهزة والقطاعات في المنطقة الذين وصفهم بأنهم ساعدوه على القيام بواجباته تجاه البقعة الأطهر.