شعب قطر لا يتجاوز 250 ألف قطري، أي ما يقارب عدد الطلبة المبتعثين السعوديين وعوائلهم. والقطريون على المستوى الشعبي، يتميزون بحسن الأخلاق وسخاء النفس وكرم الضيافة وأريحية المعاملة. وهذه المكارم لا تكاد تختلف في أي قطري، بعموم يشملهم تقريبا. وهذه الشمولية في مكارم الأخلاق بين أفراد الشعب القطري هو ما يميزهم عن غيرهم من الشعوب.
ومن يعرف القطريين يعلم أن فيهم حبا عميقا أصيلا للسعودية ولأهلها ولتقاليدها. وأن فيهم وفي كثير من أفراد أسرة آل ثاني احتراما وتقديرا عجيبا لأمراء السعودية وملوكها. هذا الحب والتقدير هو حب قديم ورثه الأبناء -مما ورثوه من مكارم الأخلاق- عن آبائهم الذين ورثوه عن أجدادهم. فلطالما كانت قطر سعودية لُحمة بالدم والدين والمذهب والعادات والهوى والعصبة.
«أما أنا فلن أطلق عليك الرصاص». تذكرت مقولتي هذه لضابط قطري من آل ثاني، كنا قد تزاملنا في دورة متقدمة لقادة المدفعية في فورت سل بأوكلاهوما بأمريكا. قد قامت بيني وبينه علاقة صداقة وطيدة أثناء الدورة، وكل الخليجيين تنشأ بينهم عادة هذه العلاقات الحميمة في مثل هذه الدورات. وقد انقطعت علاقتي ببن ثاني بعد أمريكا ولقيته صدفة في الحرم المكي في رمضان بعد أن تركت المدفعية. فكان لقاء بهيجا، وسألني فيما سألني عن أسباب تركي للمدفعية. وقد كانت العلاقات السعودية القطرية في ذلك الوقت لا تبعد سوءا عن وضعها اليوم فانتهزتها فرصة فأجبته: لكي لا يأتي يوم أتواجه أنا وانت يصوب كل منا سلاحه على الآخر، فهل سترميني بالرصاص حينها؟ قال الحبيب والأخ الصديق القطري: «نعم» فأجبته قائلاً: «أما أنا فلن أطلق عليك الرصاص» فاستحى حياء الشهم الكريم.
يختلف الشباب عن الشيوخ، ولكل دوره في نهضة البلاد. ولكن في زمن الأزمات, فلا شيء يباري حكمة الشيوخ وأفضليتهم في اتخاذ القرارات. وسأقدم بحكاية تعينني على اختزال فكرتي التي أرمي إليها هنا. فقد كنت أصغر ضابط سعودي يتخرج من كلية عسكرية، كما اعتقد. فلعل مراهقة الشباب أدركتني في مواقف وقفتها ضد قائد اللواء في الحرس الوطني آنذاك « سلطان بن تركي بن ربيعان». وقد حضر عنده في مجلسه جلساء الشر والتحريض فحرضوه على معاقبتي بالكتابة لمحاكمتي و نقلي إلى شرورة أو نحوها. فما زاد بن ربيعان إلا أن رد عليهم قائلا « ما يخفاني ما استطيع عمله، ولكني أصبر عليه، فأنا أستحي من حمولة وراه عشنا معهم في المويه وكان بيننا جمايل ومعروف، بيشرهون علي ويلوموني، أني ما صبرت على ولدهم». فنقل لي أحدهم حديث ذلك المجلس فتصاغرت عندي نفسي حينها، وأفاقتني شهامة الرجل وكريم أصله من سكرة الشباب. ولا غرو، فآل ربيعان من كبار امراء عتيبة، وتشهد لهم أيامهم ومواقفهم، فليسوا بحاجة لشهادتي، ولكن من باب الوفاء، فما زلت إلى اليوم انتهز كل فرصة لأضرب به المثل في المروءة والوفاء وحسن التدبير.
وكأن هذه الحكاية تحكي سحابة قطر. فقطر سعودية الهوى والتاريخ. وأهلها يحبون أميرهم، ويثقون بحكومتهم، إلا أنني أعرف أن بهم عتبا واستغرابا من سياسة حكومتهم تجاه السعودية. والسعودية ملكا وحكومة وشعبا يعرفون هذا ويشكرون حسن ظن أهل قطر بهم. و حكام السعودية أقدم وأعمق سياسة، فهم أصبر على جموح الشباب. والسعودية تقدر وتحترم تاريخها وأيامها مع قطر. والسعودية ملكا وحكومة وشعبا يستحيون من أهل قطر المحبين لهم، فكأن لسان حالهم يحمل معنى رد بن ربيعان: «ولكني أستحي من حمولة وراه، عشنا معها وكان بيننا معروف وفضائل وجمائل، فلا يشرهون علينا أنا ما صبرنا على ولدهم». ووالله أنني لا أقولها مجاملة ولا سياسة: صعب هو منافسة أمراء قطر وحكومتها وشعبها على الشهامة والفضل والمروءة والوفاء، ولكنه جموح الشباب فلن تضيع الجمايل والأيام بيننا، وما أقرب العودة اليوم أو غدا.