قبل البدء بالحديث عن موضوع هذه المقالة عن المرور أود أن أشير؛ مُقدِّراً كُلَّ التقدير، ما أبداه عدد من الإخوة الكرام على مقالتي السابقة؛ وعنوانها: «مشكلة فلسطين والحلول المطروحة». وفي طليعة هؤلاء الإخوة الأخ الدكتور محمد بن عبدالله العتيبي، والأخ صلاح الباشا، والأخ خليل الخطيب.
وكان مما ذكرته في تلك المقالة موقف قادة وطننا العزيز من تلك المشكلة؛ ابتداءً بقائد توحيد هذا الوطن ومؤسس قواعد نهضته، الملك عبدالعزيز، رحمه الله، واستمراراً مع الملوك الكرام من أبنائه. وأحلت إلى كتابة الزركلي، رحمه الله، عما قام ذلك المؤسس العظيم بالذات. ولم أر ضرورة للحديث عما قام به كل واحد من أولئك الكرام من أبناء ذلك المؤسس، رحم الله الجميع؛ بل الاكتفاء بالإشارة إلى الملك فيصل «مثلاً» لهم؛ وبخاصة أن الحديث عن مشكلة خارجية، وأن فيصلاً كان وزير خارجية المملكة من إنشاء الوزارة في العشرينيَّات من القرن الميلادي الماضي إلى نهاية حكمه عام 1975م، باستثناء فترة وجيزة جدّاً.
ومما أبداه أولئك الإخوة الكرام أن الدول التي دفعت معونة للدول التي على الجبهات مع دولة الصهاينة -بعد مؤتمر الخرطوم المشهور- هي: المملكة العربية السعودية، والكويت، وليبيا، التي كانت حينذاك تحت حكم الملك إدريس السنوسي؛ لا المملكة والكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة كما ورد خطأ في مقالتي. فجزاهم الله خيراً على تصحيحهم هذه المعلومة. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإني أُعبِّر عن سعادتي أن علمت -وأنا أكتب هذه السطور- أن المسؤولين في ليبيا الآن قَرَّروا إعادة الاعتبار لتلك الأسرة السنوسية الكريمة، وإعادة ممتلكاتها إليها.
وأما مؤتمر عدم الانحياز فصحيح أنه حدث في عهد الملك سعود، رحمه الله. لكني أشرت إلى فيصل لأن الحديث عن مسألة خارجية، وفيصل كان وزير الخارجية، ولأنه لمع في ذلك المؤتمر إلى جانب سوكارنو وتيتو ونهرو وشوان لاي. ويكفي الملك سعوداً فخراً ما تَمَّ في عهده من نشر للتعليم العام في جميع بلدان الوطن؛ بل إن أول جامعة في الوطن أفتُتحت في عهده؛ وهي جامعة الملك سعود.
أما بعد:
فقبل عشر سنوات كتبت مقالة عنوانها: «الإرهاب أنواع». وقد أشرت في تلك المقالة إلى أن المرور في وطننا العزيز أصبح مرعباً. والمتأمِّل في مسيرة حركة المرور في وطننا العزيز يرى أن هذه الحركة لم تَتحسَّن التَّحسُّن المرجو رغم ازدياد أعداد المُتعلِّمين وصدور أنظمة جيدة الصياغة. ولذلك فإني لا أرى الآن غضاضة في تضمين هذه المقالة شيئاً من مضمون تلك المقالة.
من المعلوم لدى الكثيرين أن الإرهاب لغة هو إدخال الرهبة في نفوس الآخرين. ومن أنواع الإرهاب ما يُرتكَب لتحقيق هدف مالي كقطع الطرق للنهب أو السطو على الممتلكات الخاصة والعامة لسرقتها. ومن الإرهاب، أيضاً، ما يمارسه أفراد من المجتمع؛ سواء كان ذلك عن قصداً أو نتيجة عدم إدراك لأبعاد تلك الممارسة. ويَتجلَّى هذا في الإرهاب المروري، الذي أصبح واضح المعالم في مجتمعنا مع الأسف.
وكان ممن تَحدَّث عن الموضوع حين كتابتي تلك المقالة قبل عشر سنوات الأستاذ علي بن سليمان العلولا؛ وذلك في مقالة عنوانها: «الإرهاب المروري من يوقفه؟». ومما ورد في مقالة الأستاذ العلولا: «الحقيقة التي يدركها الجميع أن لدينا فوضى مرورية شاملة. فالمخالفات المرورية كتجاوزات الإشارات الحمراء، وعدم الالتزام بالمسارات، والسرعة الجنونية، والقيادة المُتهوِّرة، والوقوف الخاطئ وعكس اتِّجاه السير، واعتبار أرصفة المشاة مسارات إضافية وقت اللزوم، والقفز من طريق الخدمة إلى الطريق الرئيس من فوق الأرصفة تَتمُّ جميعاً أمام أبصار منسوبي المرور وبقية الجهات الأَمنيَّة دون أن يُحرَّكوا ساكناً لرصدها ومعاقبة مرتكبيها».
وما ذكره الأستاذ العلولا في مقالته ما زال قائماً في عمومه حتى الآن. ويمكن أن يضاف إليه أن يمسك السائق المسار الأيمن من الطريق ذي المسارات الثلاثة، ويمنع بذلك من يريد الانعطاف يميناً، وهذا جائز له. ويضاف إلى ذلك، أيضاً، أن يكون المرء سائراً وفق ما هو نظامي من حيث السرعة، لكنه يفاجأ بسائق سيارة خلفه لم يجعل بين سيارته والسيارة التي يقودها أكثر من متر واحد محاولاً إجباره على أن يخلي الطريق له مع أنه يرى أنه لا يستطيع الهروب يميناً أو يساراً لأن المسارين عن يمينه ويساره مزدحمان بالسيارات بحيث يستحيل عليه أن يخرج إلى أَيٍّ منهما.
ومن أخطر الأمور -أو لَعلَّه أخطرها- استعمال قائد السيارة الهاتف المحمول؛ لا في إجابة المكالمات فحسب؛ بل وفي كتابة رسائل وإرسالها وهو ما يزال يقود السيارة.
هناك نظام جيد واضح للمرور. لكن مع وجود النظام الجيد الواضح لم تَتحسَّن الأمور التَحسُّن المرجو. وأكاد أجزم أن من يتجاهلون احترام النظام قد أمنوا العقوبة الحقيقية. و»من أمن العقوبة أساء الأدب». ولعلَّ أكبر دليل على هذا أن هؤلاء المتجاهلين للنظام في بلادنا إذا ذهبوا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة -مثلاً- احترموا الأَنظمة والقوانين.
وإذا أُخِذ تَصرُّف من يقودون السيارات في مجتمعنا علامة على مدى الوعي فإن بالإمكان القول: إن مجتمعنا ينقصه القدر الكبير من الوعي، وإنه مجتمع مُتخلِّف على العموم بالرغم من اتِّسامه بالخيلاء والادِّعاء بأنه مُميَّز عن غيره. على أن هذا المجتمع الذي يَتَّسم الكثير من شبابه بالذات بهذه الصفات السلبية تجد أكثر هؤلاء الشباب كثيراً ما يَتَّصفون بصفة حميدة؛ وهي المسارعة إلى النجدة والعون عندما يرون حادثاً في الطرق الطويلة بالذات.
ومن أَدلَّة صدق كون الأمن من العقاب يُشجِّع على سوء الأدب ما كان واقعاً في وطننا العزيز. فعندما كان أمير المنطقة الشرقية من وطننا العزيز الأمير المهيب سعود بن جلوي، رحمه الله. تَحقَّق تحت أمرته أمن منقطع النظير. فقد ذكر أحد الروَّاد في شركة أرامكو أنهم كانوا يحضرون أكياس الذهب والفضة من الشركة إلى مكتب فرع وزارة المالية في الدمام بسيارة غير مُصفَّحة. وفي بعض الأيام يكون وصولهم إلى المكتب مع أذان الظهر. وكان المكتب يُغلَق عند أذان الظهر حتى يُصلَّى العصر. فيضع من أحضروا الذهب والفضة إلى المكتب تلك الأكياس دون حراسة عند باب ذلك المكتب، ولم يكن أحد يجسر على التعرُّض لها. وذلك لإدراك الجميع أن المجرم سينال عقابه. لو أن من يرتكبون إرهاب الناس يرون أنهم لن يفلتوا من إنزال العقاب بهم جزاء على ما يرتكبون فهل سيقدمون على ارتكاب الإرهاب؟..
زاد الله وطننا أمناً واستقراراً.