في السنوات الأخيرة، لا أحد يعرف من الذي يقود الآخر؟ هل الإعلام التقليدي بأجهزته النمطية يقود الإعلام الجديد ويوجهه أم العكس؟ هل الصحف الورقية تقود الصحف الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي أم الأمر هو عكس ذلك؟ هل القنوات الفضائية، الرسمية والتجارية، هي من يخطف الأضواء ويتحكم في الإعلام المرئي الإلكتروني؟ أم أن قناة اليوتيوب، المتاحة للجميع على حد سواء، هي من يقود الإعلام المرئي التقليدي، ويوجهه نحو ما يريد؟ خاصة على مستوى البرامج الكوميدية الانتقادية؟
فمثلاً من يتابع البرنامج الكوميدي «النشرة ال...» في قناة روتانا خليجية، وهو ذو طابع يوتيوبي، يدرك أن الإعلام الجديد قلب الطاولة فعلاً، وأصبح مطمعاً وهدفاً حقيقياً للإعلام المرئي التقليدي، ولعل هناك عشرات البرامج الكوميدية المحلية، تبث حلقاتها بانتظام على قناة اليوتيوب، وتحظى بمشاهدات مئات الألوف من المتابعين، وبالتالي تحظى برعاة وداعمين تجاريين لها، مقابل فواصل إعلانية قصيرة لبعض المنتجات التجارية.
كيف جاءت هذه البرامج الكوميدية، ذات الطابع الانتقادي؟ كيف أصبحت واسعة الانتشار هكذا؟ فمن يتابع برامج مثل برنامج «لا يكثر» لفهد البتيري، وبرنامج «على الطاير» لعمر حسين، وبرنامج «أيش اللي» لبدر صالح، وبرنامج «التمساح» لإبراهيم خير الله، و»برودكاست شو» لإبراهيم صالح، وغيرها... يدرك أن الأمر ليس مغامرة شبان سذج وعابثين، لم تُمنح لهم الفرصة في القنوات الفضائية التقليدية، بل معظم هؤلاء جاؤوا من بعثاتهم الخارجية، والتقطوا الأفكار الرائعة لبرامج فن الكوميديا شو، من الولايات المتحدة، إلى درجة أنهم ابتدأوا برامجهم تلك باللغة الانجليزية، إلى أن اكتشفوا أن المجتمع المستهدف لفنهم هو المجتمع السعودي، بلغته العربية، لذلك من الطبيعي أن يتم استثمار هذا الفن، الحر التلقائي، واسع الانتشار، بلغة يفهمها المستهدفون، وهكذا تتابعت هذه البرامج بشكل سريع، ومتفاوت القيمة بالطبع، لكنها تحوّلت إلى برامج جذابة للجمهور، وتحوّل نحوها المشاهدون، كبديل للبرامج التقليدية، التي لا تتمتع بالحركة الحرة السريعة!
الغريب، وربما اللافت في الأمر، أن تنبَّه تلفزيوننا العزيز، وشرع في التجهيز لبرنامج مسابقات يتبنى المواهب الكوميدية، بلجنة تحكيم مكونة من عدد من الممثلين الكوميديين، وهي فكرة كانت ستصبح رائعة ومدهشة قبل خمس سنوات، لكنها الآن، وفي ظل الفضاء الحر لهذه المواهب، قد لا تضيف شيئاً ذا بال، فمن السهل أن يقوم مجموعة شبان، بينهم المقدم، والمعد، والمصمم، والمخرج، وفني الإضاءة، والكولاج... إلخ، بتجهيز برنامج شو كوميدي، وبثه في قناة من لا قناة له، أعني قناة اليوتيوب المفتوحة للجميع، وقذف مئات الآلاف من إشادات المعجبين، بعيداً عن روتين ونمطية القنوات الرسمية الحكومية، فالزمن أصبح يسبقنا، وهؤلاء الشباب هم من يقود وعينا، ويتحكم به.
يبقى السؤال المهم: كيف يمكن استثمار هذه المواهب اللافتة، ومنحها المزيد من الثقة، وإشعارها بقيمة هذا الفضاء المفتوح، وهذه الحرية المسؤولة، لأن الحرية اليوم، أصبحت متاحة فوق عتبة اليوتيوب، ولكن كيف يدرك هؤلاء الشباب الرائعون، أن الحرية يجب أن تكون مسؤولة، وأنها - أي الحرية - تتحوّل إلى فوضى إذا انتهكت حرية الآخرين، وسلبت حقوقهم وشؤونهم الشخصية!